الآثار المصرية وجامعة فورتسبورج الألمانية يعيدون إحياء معبد إدفو

سلط تقرير لموقع أرت نت، الضوء علي إعادة إحياء الألوان المفقودة لمعبد إدفو، الواقع على الضفة الغربية لنهر النيل، والذي يعتبر أحد أكثر المعالم الأثرية المحفوظة في مصر القديمة.

منذ عام 2021، عملت شراكة بين وزارة السياحة والآثار المصرية وجامعة فورتسبورغ الألمانية بلا كلل لاستعادة الألوان النابضة بالحياة والمعادن المذهبة للمعبد، والتي طغت عليها قرون من الأوساخ والسخام والتدهور الطبيعي. هذا الأسبوع، تم الإعلان عن أولى المعالم المهمة لهذا الترميم الطموح، مع إعادة الحياة إلى الصبغات الحمراء والزرقاء على النقوش المعقدة للمعبد.

أكد أحمد عبد النبي، المشرف على المشروع، على العناية الدقيقة التي ينطوي عليها الترميم. قام الباحثون، باتباع أفضل معايير الحفظ، بإزالة طبقات من الحطام المتراكم وتحليل الألوان المتبقية.

أوضح عبد النبي أن “الألوان التي عثروا عليها تخضع حاليًا للفحص والتحليل والترميم”، مسلطًا الضوء على دقة وتفاني الخبراء المشاركين. ولا يعمل هذا الإحياء على استعادة الجمال الجمالي للمعبد فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على جوانب جديدة من المعتقدات الدينية والممارسات الثقافية في العصر البطلمي.

أقرا أيضا.. مصر تسعي لاستثمارات خليجية لتطوير رأس بناس على البحر الأحمر

الأهمية التاريخية للمعبد

يقدم معبد إدفو، المخصص للإله الصقر حورس، لمحة لا مثيل لها عن سلالة البطالمة. بدأ البناء في عهد الملك بطليموس الثالث (246-222 قبل الميلاد) واكتمل حوالي عام 57 قبل الميلاد في عهد الملك بطليموس الثاني عشر. وتمتد أهمية المعبد إلى ما هو أبعد من عظمته المعمارية. توفر نقوشه ومنحوتاته الحية وأماكنه المقدسة رؤى قيمة حول مزيج المنطقة من الثقافات المصرية واليونانية.

ومع ذلك، مثل العديد من المواقع القديمة، سقط المعبد في حالة خراب. تسارع التدهور بعد عام 391 م، عندما حظر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول العبادة غير المسيحية. وعلى مدى القرون التالية، تلاشت النقوش النابضة بالحياة تحت طبقات من الإهمال، حتى بدأت جهود الترميم الحديثة في تقشير طبقات الزمن.

جهود الترميم: الكشف عن الكنوز المخفية

يقع أحد انتصارات الترميم الرئيسية في إعادة اكتشاف تعدد ألوان المعبد. غالبًا ما أضاف الحرفيون القدماء أصباغًا إلى المنحوتات، ليس فقط لتعزيز تأثيرها البصري ولكن لتصحيح أو توضيح التفاصيل. تعمل الألوان التي تم إحياؤها على إضفاء الوضوح على تصوير الملابس والقرابين والمشاهد الأسطورية، مما يوفر فهمًا جديدًا للمعتقدات البطلمية.

أكد الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار في مصر، على اكتشاف رائع آخر أثناء الترميم – وهو دليل على أن بعض مباني المعابد كانت مزينة برقائق نحاسية مذهبة. “وقد غطت بعض المباني الموجودة فيه طبقات من رقائق معدنية سميكة مصنوعة من النحاس [المذهب]”، كما ذكر عشماوي، مشيراً إلى ثقوب صغيرة وبقع ذهبية وجدت عالياً فوق مركب حورس المقدس. تكشف هذه البقايا كيف كانت نقوش المعبد تتلألأ تحت أشعة الشمس، مما يزيد من أهميتها الدينية.

لمحة عن الحرم الداخلي للمعبد

كشف مشروع الترميم أيضاً عن نصوص غير معروفة سابقاً داخل المعبد، وخاصة في غرفة قدس الأقداس. اكتشف الباحثون نصاً ديموطيقياً – وهو شكل يومي من الكتابة المصرية يستخدمه الكهنة لتسجيل الصلوات والشهادات لحورس. إن وجود هذا النص في أعماق المعبد، وليس على المحيط، يمثل شذوذاً نادراً ومثيراً للاهتمام. عادةً، يتم العثور على مثل هذه النقوش بالقرب من مداخل المعبد، مما يجعل هذا اكتشافاً مهماً لعلماء الدين المصري القديم.

تقدم النصوص الديموطيقية ارتباطاً أكثر شخصية وفورية بالماضي، وتوفر دليلاً مباشراً على الوظيفة الدينية للمعبد ودور كهنوته. لم يعمل الترميم على تنشيط البنية المادية للمعبد فحسب، بل أدى أيضًا إلى تعميق فهم أهميته الروحية والثقافية.

مستقبل رقمي لمعبد إدفو

إن نجاحات الترميم الأولية أثارت بالفعل حماسة العلماء والسياح على حد سواء. ومع اقتراب موسم السياحة الشتوية في مصر، من المقرر أن يجذب المعبد الذي أعيد إحياؤه المزيد من الزوار لمشاهدة الألوان المبهرة والنقوش المعقدة التي كانت تميز مصر البطلمية ذات يوم.

لضمان الحفاظ على المعبد وإمكانية الوصول إليه، يخطط فريق الترميم لتحويل نقوشه ومشاهده إلى شكل رقمي، مما يخلق موردًا شاملاً للبحث في المستقبل. سيوفر هذا الأرشيف الرقمي بيانات أكثر دقة من السجلات القديمة، مما يضمن الحفاظ على المعرفة المكتسبة من معبد إدفو للأجيال القادمة.

الحفاظ على الإرث الثقافي لمصر

يمثل ترميم معبد إدفو انتصارًا كبيرًا لكل من علم الآثار المصري والدولي. من خلال إحياء الألوان والمعادن الثمينة المفقودة للمعبد، لم يقم المشروع بترميم قطعة من التراث الثقافي لمصر فحسب، بل قدم أيضًا معلومات جديدة حول تاريخ مصر.

زر الذهاب إلى الأعلى