الإرث الخطير للحرب بالوكالة.. هل تثق إسرائيل في ميليشيا أبو الشباب في غزة؟

بينما تدرس إسرائيل التحالف مع ميليشيا أبو الشباب المناهضة لحماس في غزة، يحذر الخبراء من أن المنطق نفسه الذي مكّن أمراء الحرب الأفغان سابقًا قد يحمل مخاطر جسيمة على إسرائيل والمنطقة.

فوفقا لتحليل صحيفة هارتس الاسرائيلية، في ثمانينيات القرن الماضي، سلّحت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان في حرب سرية ضد الاحتلال السوفيتي، وهو عملٌ أدى في نهاية المطاف إلى بذر بذور التطرف وعدم الاستقرار لعقود. تاريخ الحرب بالوكالة طويل ومتشابك، ومأساوي بشكل متكرر.

تحذر الدكتورة دينا ليسنيانسكي، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط والباحثة في مركز ديان بجامعة تل أبيب، قائلةً: “أي تدخل من طرف ثالث يُنتج في النهاية نوعًا من التطرف”. ويشير تحليلها إلى نمط عالمي: فالمكاسب التكتيكية قصيرة المدى غالبًا ما تؤدي إلى مشاكل استراتيجية طويلة المدى.

أشباح أفغانستان: دروس لم تُستخلص بعد

تلوح سابقة تاريخية في الأفق. وكما حذّر مبعوث وزارة الخارجية إدموند ماكويليامز عام 1988، فإن الدعم الأمريكي السري في أفغانستان كان يُؤجج استياءً خطيرًا، ولاحقًا، تشددًا خارجًا عن السيطرة. ورغم الانتصارات العسكرية قصيرة المدى – مثل نشر صواريخ ستينغر ضد المروحيات السوفيتية – كانت العواقب وخيمة.

اختفى العديد من تلك الصواريخ في السوق السوداء، وانتهى الأمر بأموال طائلة في أيدي أمراء الحرب الذين دمّروا مدن أفغانستان، كما وثّق الصحفي ستيف كول.

من هذه الجذور نشأت حركة طالبان، التي آوت في نهاية المطاف تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، وبلغت ذروتها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ويشير ليسنيانسكي إلى أن الدرس مُثير للقلق: “تشير القصة الأفغانية إلى أن أي تدخل من طرف ثالث يُنتج في النهاية نوعًا من التطرف”.

حتى جهود تدريب وتجهيز القوات الأفغانية المعتدلة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر باءت بالفشل؛ انهار الجيش الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة على الفور تقريبًا بعد الانسحاب الأمريكي عام 2021.

مقامرة إسرائيل في غزة: هل يمكن الوثوق بعدو عدوي؟

تواجه إسرائيل هذه المعضلة الآن في سعيها لإضعاف قبضة حماس على غزة من خلال دعم ميليشيا أبو الشباب – التي وصفها الدكتور ليسنيانسكي ليس كمحاربين أيديولوجيين، بل كـ”عصابة من تجار المخدرات”.

لهذه الجماعة، المتجذرة في قبيلة الترابين في سيناء، تاريخ متقلب. ففي السابق، ساعد التعاون بين هذه القبيلة ومصر وإسرائيل في سحق فرع داعش في سيناء. ومع ذلك، وكما يشير ليسنيانسكي، فإن أبو الشباب أصبح الآن مهمشًا، بل وتبرأ منه قبيلته لتشويه سمعتها.

شهدت الأسابيع الأخيرة تراجعًا في نفوذ أبو الشباب، حيث أصدرت حماس إنذارًا نهائيًا: الاستسلام أو مواجهة الإعدام بتهمة الخيانة. يشير الدكتور ليسنيانسكي إلى الأساس التكتيكي وراء دعم إسرائيل لجماعة أبو الشباب: “الهدف الحقيقي هنا هو إضعاف قوة حماس، لذا نحتاج بالتأكيد إلى البحث عن جماعات أخرى تتعاون مع السكان أنفسهم”.

بالنسبة لإسرائيل، قد تُسهّل هذه الجماعات بالوكالة وصول المساعدات الإنسانية وتُقلّل من المخاطر التي يتعرض لها جنودها. ومع ذلك، فإن هذا التحالف، في أحسن الأحوال، ليس سوى “حل مؤقت لمشكلة قائمة”.

مخاطر الحرب بالوكالة: أنماط عالمية، مخاطر محلية

الصراعات بالوكالة ليست جديدة في الشرق الأوسط، أو عالميًا. لطالما موّلت القوى الغربية ميليشيات من اليمن وسوريا إلى العراق وليبيا، وحتى أمريكا اللاتينية.

يشير ألبرت مولي، من مركز الجماعات المسلحة في جنيف، إلى أنه “على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، كانت هناك زيادة تدريجية في عدد ونسبة النزاعات المسلحة الداخلية التي تتورط فيها حكومات خارجية من خلال دعم طرف أو أكثر”.

السجلّ مُقلق: في السودان، سحقت ميليشيا الجنجويد المتمردين سابقًا، لكنها تحوّلت لاحقًا إلى قوات الدعم السريع وأشعلت حربًا أهلية جديدة ضدّ رعاتهم السابقين. في حرب تيغراي الإثيوبية، أدّى تبدّل التحالفات إلى صراعات جديدة ونزوح جماعي. غالبًا ما تجد الدول التي تُسلّح وكلائها نفسها عاجزة عن السيطرة عليهم، ممّا يُسفر أحيانًا عن نتائج كارثية.

أقرا أيضا.. كيف أصبحت المعادن النادرة السلاح التجاري الأبرز للصين ونقطة الضعف الأمريكية؟

مفترق طرق استراتيجي لإسرائيل: مكاسب تكتيكية، مخاطر طويلة الأمد

يُجادل الدكتور ليسنيانسكي بأنّ اعتماد إسرائيل على جماعات مثل أبو الشباب مدفوعٌ بالضرورة: “في الوقت الحالي، من المنطقي استخدام قوة غزّاوية داخلية لتحقيق نتائج مؤقتة مُعيّنة”. على المدى القصير، قد تُشكّل هذه التحالفات تحديًا لاحتكار حماس، وتُسهّل العمل الإنساني، وتُقدّم وسيطًا بديلًا للسلطة لإسرائيل والمجتمع الدولي.

لكنّ المخاطر جسيمة. يُحذّر ليسنيانسكي قائلًا: “البندقية التي رأيناها في الفصل الأول، ستُطلق بلا شكّ في الفصل الثالث – في هذه الحالة، ربما حتى في الفصل الثاني”. إن حليف اليوم قد يصبح عدو الغد، كما كانت الحال في أفغانستان والسودان وأماكن أخرى.

مستقبل غزة الغامض: حسابات سياسية ومخاطر بالوكالة

هناك أيضًا تساؤلات عميقة حول مستقبل غزة. يُشاع أن جماعة أبو شباب لها صلات بالسلطة الفلسطينية، وخاصةً فصيل دحلان، مما يثير تساؤلات حول سيناريو اليوم التالي في حال سقوط حماس.

يتساءل الدكتور ليسنيانسكي: “إذا استعادت السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة، فمن قال إن سيناريو عام 2007 لن يتكرر؟” يلوح شبح أفغانستان في الأفق، حيث عادت طالبان إلى السلطة بعد عقدين من المنفى.

ومما يزيد الأمور تعقيدًا النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب. غزو روسيا لأوكرانيا وتغير التحالفات بين قوى مثل تركيا والصين ومجموعة البريكس، يُنشئان محاور جديدة لعدم الاستقرار وحرب بالوكالة حول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى