الاتحاد الأوروبي يغازل المغرب.. شراكة أم صفقة لمواجهة المهاجرين؟

بدأ الاتحاد الأوروبي خطواته الأولى نحو اتفاق جديد مع المغرب، في محاولة لإقناع المغرب بلعب دور أكبر في كبح جماح الهجرة غير النظامية نحو أوروبا.

المفوضية الأوروبية، التي وضعت ملف الهجرة على رأس أولوياتها، شرعت في التباحث مع المغرب لإبرام شراكة شاملة على غرار تلك التي جمعت الاتحاد بتونس ومصر والأردن.

المغرب في صلب خطة “أوروبا العالمية”

خلال إطلاق خطة “أوروبا العالمية” التي تهدف إلى تعزيز تمويل الاتحاد لدول الجنوب، أعلنت المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط، دوبرافكا سويكا، أن المفوضية بدأت بالفعل محادثات أولية مع المغرب بهدف تعميق التعاون في ملف الهجرة، مؤكدة أن الرباط تمثل حجر الزاوية في مقاربة أوروبا الجديدة تجاه الجنوب.

ونقلت وكالة “أوروبا بريس” عن سويكا قولها إن “الاتحاد الأوروبي يعمل على توسيع شراكته مع المغرب، ويضع ملف الهجرة في صلب هذه الشراكة”، مضيفة أن الاتحاد يعتزم أيضًا بدء حوارات مماثلة مع لبنان، في ظل شراكات قائمة مع مصر وتونس والأردن.

المغرب شريك أم متعاقد أمني مع الاتحاد الأوروبي؟

الاتحاد الأوروبي لطالما اعتبر المغرب شريكًا استراتيجيًا في منطقة شمال إفريقيا، بفضل موقعه الجغرافي الحيوي وخبرته الطويلة في إدارة تدفقات الهجرة، خاصة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. إلا أن الرباط لا ترى نفسها مجرد “متعاقد أمني” يحمي حدود أوروبا، بل تؤكد مرارًا أنها تتعاون انطلاقًا من منطق الندية والمصالح المشتركة.

وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قد صرّح بوضوح في عام 2021: “المغرب ليس دركيًا لأوروبا”، مضيفًا أن المملكة ترفض منطق الإملاءات وتؤمن بأن الهجرة مسؤولية جماعية تتطلب حلولًا متكاملة بين دول المصدر والعبور والاستقبال.

صفقة بوجه جديد؟

الاتفاق الذي تسعى بروكسل لإبرامه مع المغرب لا يُراد له أن يقتصر على الجوانب الأمنية، بل يتضمن كذلك دعمًا اقتصاديًا وتنمويًا، وفق ما يُرجح من مسودات المباحثات.

وبحسب تقارير، فإن الشراكة المنتظرة ستشمل التزامات من الجانب المغربي في إدارة الحدود ومراقبة السواحل، مقابل حوافز مالية واستثمارات في مجالات التعليم، الاقتصاد، التحول الرقمي، والطاقة المتجددة.

كما يتضمن الطرح الأوروبي جوانب إنسانية، منها دعم إدماج المهاجرين داخل المغرب، والمساعدة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، إلى جانب برامج للتنقل القانوني تعود بالفائدة على الطرفين.

لماذا المغرب؟

الرهان الأوروبي على المغرب ليس وليد اللحظة، بل يعكس إدراكًا متزايدًا داخل بروكسل بأن أي سياسة فعالة للهجرة لا يمكن أن تنجح دون شراكة حقيقية مع دول العبور، خاصة الدول المستقرة والمؤثرة في محيطها مثل المغرب.

فالمملكة تمكّنت خلال السنوات الماضية من إحباط مئات الآلاف من محاولات العبور نحو الضفة الشمالية، ما جعلها فاعلًا لا غنى عنه في المعادلة الأمنية الأوروبية.

لكنّ المغرب، رغم هذا الدور، لم يتخلَ عن موقفه الرافض لأن يُختزل دوره في العمل الشرطي، بل ظل يطالب بمقاربة شاملة تنطلق من معالجة جذور الظاهرة، خصوصًا الأوضاع الاقتصادية الصعبة في دول المصدر.

نحو مقاربة شاملة أم تبادل مصالح؟

الطرح الأوروبي الجديد، وإن كان يُقدَّم بلبوس الشراكة، إلا أن مراقبين يرون فيه محاولة لتجميل صفقة تستهدف أولًا وقبل كل شيء خفض أعداد المهاجرين القادمين إلى أوروبا.

ومع تصاعد التيارات اليمينية في العديد من العواصم الأوروبية، بات التكتل يبحث عن حلول خارجية عاجلة، ولو كانت على حساب أجندات تنموية وإنسانية أوسع.

لكن من جهة أخرى، يرى آخرون أن الرباط قد تستفيد من هذه اللحظة الجيوسياسية الحرجة، للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية أوسع، وتحويل الضغط الأوروبي إلى ورقة تفاوض تصب في صالح تعزيز مكانة المغرب الإقليمية والدولية.

شراكة المغرب والاتحاد الأوروبي

رغم أن المحادثات لا تزال في بدايتها، إلا أن السياق الإقليمي والدولي يوحي بأن اتفاقًا وشيكًا قد يرى النور خلال الفترة المقبلة.

وسيتوقف نجاح هذه الشراكة الجديدة على قدرة الطرفين على الموازنة بين الأمن والمصلحة، بين الحقوق والتنمية، وبين الحاجة إلى ضبط الحدود، والرغبة في بناء نموذج جديد من التعاون المتكافئ.

اقرأ أيضًا: الدوحة تتوسط بين الحكومة وحركة 23 مارس..هل تنجح قطر في إنهاء الحرب شرق الكونغو؟

زر الذهاب إلى الأعلى