الاقتصاد العالمي على المحك.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر مع تصاعد نيران الخليج

في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، أصدر صندوق النقد الدولي تحذيرًا شديد اللهجة بشأن الغارات الجوية الأمريكية على إيران والتحركات الانتقامية المحتملة من طهران قد تُؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل تُلحق الضرر بالاقتصاد العالمي.
وسلَّطت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، الضوء على المخاطر الجسيمة التي تُشكلها ارتفاعات أسعار الطاقة، واصفة الاقتصاد العالمي بأنه يقف على شفا هاوية، بحسب صحيفة “ذا جارديان” البريطانية.
صندوق النقد الدولي: الآثار المتتالية للصراع قد تُؤثر سلبًا على النمو العالمي
أكدت جورجيفا، في حديثها إلى قناة بلومبيرج التلفزيونية، أن صندوق النقد الدولي يُراقب سوق النفط عن كثب. وحذرت من أن الاضطرابات في قطاع الطاقة قد تُحدث “آثارا ثانوية وثالثية” على الاستقرار الاقتصادي، خاصة إذا بدأت آفاق النمو في الاقتصادات الكبرى بالتعثر.
وأضافت: “عندها، سيكون هناك تأثير مُحفّز يتمثل في تخفيض توقعات النمو العالمي”.
تعكس تعليقات جورجيفا المخاوف المتزايدة لدى المؤسسات المالية والمستثمرين بشأن التداعيات الأوسع نطاقًا للتصعيد الإقليمي المُحتمل. ويقع مضيق هرمز في قلب الأزمة، وهو معبر حيوي للطاقة يمر عبره ما يقرب من 20% من النفط العالمي.
إيران تُهدد بإغلاق المضيق بعد الضربات الأمريكية
وصوّت البرلمان الإيراني على إغلاق مضيق هرمز ردا على الغارة الجوية الأمريكية الأخيرة التي أمر بها دونالد ترامب. وقد يعيق هذا القرار، في حال إقراره، خمس إمدادات النفط العالمية، مما يُحدث صدمة كبيرة في الإمدادات ويزيد من خطر التضخم.
وكان التأثير الفوري على أسواق النفط ملموسا حيث قفزت الأسعار بأكثر من 5% أواخر يوم الأحد، لتبلغ ذروتها عند 81.40 دولارا للبرميل، وهي أعلى مستوى لها في خمسة أشهر، قبل أن تستقر عند 77.94 دولارا صباح الاثنين.
ويقدر محللون في جولدمان ساكس أنه في حال انخفاض تدفقات النفط عبر المضيق إلى النصف لمدة شهر، وبقاءها منخفضة بنسبة 10% لبقية العام، فقد ترتفع الأسعار إلى 110 دولارات للبرميل.
قادة وخبراء اقتصاديون عالميون يحذرون
وحذر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن إغلاق المضيق سيكون بمثابة “انتحار اقتصادي” لإيران، وحث الصين على ممارسة ضغوط دبلوماسية على طهران. وصرح روبيو لشبكة فوكس نيوز، مشددا على الطبيعة العالمية للتهديد: “إنهم [الصين] يعتمدون بشدة على مضيق هرمز للحصول على نفطهم”.
ويشعر الاقتصاديون بقلق مماثل؛ فقد وصف هولجر شميدينج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرج، مضيق هرمز بأنه “الخطر الاقتصادي الرئيسي الذي يجب مراقبته”. ومع ذلك، يعتقد أن التعطيل الكامل لا يزال مستبعدا، مشيرا إلى المخاطر الاقتصادية الكبيرة التي قد تترتب على مثل هذه الخطوة بالنسبة لإيران نفسها.
وفي غضون ذلك، حذرت أسواق رأس المال في بنك آر بي سي من “خطر واضح وراهن بشن هجمات على قطاع الطاقة”، بما في ذلك إجراءات محتملة من الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. وحذرت من أنه على الرغم من أن رد إيران قد لا يكون فوريا، إلا أنه قد يتحقق في الأيام أو الأسابيع المقبلة.
وكتب محللون: “قبل كل شيء، نحذر من الانفعالات السريعة التي تدعي أن “الأسوأ قد ولى” في هذه المرحلة”. وأضافوا: “قد نكون في مصفوفة رامسفيلد “المجهول الغير معروف” في هذا الصراع العسكري المستمر منذ تسعة أيام في الشرق الأوسط”.
بدء ظهور اضطرابات الشحن
وبدأ التوتر يؤثر بالفعل على الشحن العالمي. فقد عكست ناقلتا نفط عملاقتان – كوزويسدوم ليك وساوث لويالتي – مسارهما فجأة في مضيق هرمز عقب الغارات الجوية الأمريكية. وأكدت بيانات تتبع السفن من بلومبرج أن كلتا الناقلتين دخلتا المضيق قبل أن تتراجعا نحو بحر العرب، مما يشير إلى تنامي انعدام الأمن البحري.
الأسواق تتفاعل بحذر
وتعكس ردود فعل السوق حالة عميقة من عدم اليقين. فقد انخفض مؤشر فوتسي 100 في المملكة المتحدة بنسبة 0.2% في التعاملات المبكرة، على الرغم من أن عملاقي النفط، بي بي وشل، حققا مكاسب طفيفة نتيجة ارتفاع أسعار النفط الخام.
كما أظهرت الأسواق الآسيوية نتائج متباينة إذ انخفض مؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة 0.1%، بينما انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز/إيه إس إكس 200 الأسترالي بنسبة 0.4%. في المقابل، ارتفع مؤشر CSI 300 الصيني بنسبة 0.3%، وارتفع مؤشر هانج سنج في هونج كونج بنسبة 0.5%.
اقرأ أيضًا: خدع عسكرية.. كيف نفذت أمريكا عملية تمويه معقدة قبل الهجوم على إيران؟
وانخفضت أسعار الذهب، الذي يُعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية، بنسبة 0.4% لتصل إلى 3,354.03 دولارًا للأوقية. على الرغم من هذا الانخفاض، وصل المعدن إلى عدة مستويات قياسية مرتفعة في عام 2025 وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي الواسع النطاق.
مع تصاعد التوترات في الخليج، لا يزال المستثمرون العالميون والاقتصاديون وصانعو السياسات في حالة من التوتر. إن التهديد الذي يواجه تدفقات الطاقة عبر مضيق هرمز – وطبيعة رد فعل إيران غير المتوقعة – لا يشكلان خطرا جيوسياسيا فحسب، بل خطرا اقتصاديا وشيكا أيضا، حيث يُهدد النمو والاستقرار العالميين.