البنوك السعودية تسابق الزمن.. صكوك جديدة لتلبية احتياجات السوق المحلية والدولية
شهدت البنوك السعودية ارتفاعًا ملحوظًا في وتيرة إصدارات الصكوك منذ بداية العام الجاري، ما يعكس تحولاً هامًا في استراتيجيات التمويل المحلية.
وفي وقت سابق من العام، أعلنت عدة بنوك رئيسية عن خططها لطرح صكوك جديدة، في مقدمتها البنك العربي الوطني الذي أعلن عن عزمه إصدار صكوك بقيمة 11.25 مليار ريال سعودي.
كما أعلن كل من البنك الفرنسي وبنك الراجحي عن خطط لإصدار صكوك مقومة بالدولار الأمريكي، بحيث يتم تحديد حجم الإصدار بناءً على ظروف السوق، بالإضافة إلى بنك الرياض الذي يعتزم طرح صكوك بقيمة 10 مليارات ريال سعودي.
الطلب المتزايد على التمويل من البنوك السعودية
وهذه الزيادة في إصدارات الصكوك تعكس استجابة مباشرة لتزايد الطلب المتوقع على التمويل، مدفوعًا بانخفاض أسعار الفائدة التي شهدها السوق مؤخرًا.
كما أن المشاريع الضخمة التي تنفذ في السعودية وتحتاج إلى تمويل بمليارات الدولارات تشكل عاملاً آخر يعزز الحاجة لإصدارات الصكوك.
وفي ظل هذا الوضع، تزداد المخاوف من الضغط على سيولة البنوك المحلية، خاصة مع تجاوز نسبة القروض إلى الودائع حد الـ100% في بعض الحالات، ما يعني أن البنوك قد تجد نفسها في مواجهة صعوبة في تغطية احتياجات السيولة.
اقرأ أيضًا: الأكبر منذ 6 أعوام.. الصناديق الاستثمارية السعودية تحقق نتائج استثنائية في 2024
استراتيجيات التمويل في البنوك السعودية
ومن المتوقع أن يأتي تسارع الطلب على القروض من الأفراد، الذين كانوا قد تجنبوا الاقتراض في الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة، لا سيما القروض الاستهلاكية ذات الفائدة الثابتة.
كما أن الفائدة المنخفضة الحالية ستزيد من رغبة الشركات في الاقتراض لتمويل توسعاتها بتكلفة أقل مقارنة بالسنوات السابقة.
وهذه التحولات في سوق التمويل قد تؤدي إلى تغييرات ملحوظة في استراتيجيات البنوك لتلبية الطلب المتزايد على القروض.
إصدار أدوات الدين لدعم قاعدة الودائع
وفي مواجهة هذا الضغط على السيولة، تلجأ البنوك إلى إصدار أدوات الدين طويلة الأجل، مثل الصكوك والسندات، لتعزيز قاعدة الودائع.
وفي الربع الثالث من العام الماضي، تجاوزت القروض لدى البنوك المدرجة في السوق السعودية الودائع التقليدية بشكل طفيف، حيث سجلت القروض 2.7 تريليون ريال سعودي مقارنة بالودائع التي بلغت 2.5 تريليون ريال سعودي، مع نمو في التمويل بنسبة 12% مقارنة بزيادة الودائع التي بلغت 11%.
وهذا التوجه يعكس الضغوط المتزايدة على سيولة البنوك في ظل الطلب المتنامي على القروض.
- العملة السعودية – أرشيفية
نسبة القروض إلى الودائع والواقع المالي للبنوك
تجدر الإشارة إلى أن نسبة القروض إلى الودائع التي تشير إلى تجاوز الـ100% في بعض الحالات لا تشمل الصكوك والسندات، حيث أفاد البنك المركزي السعودي بأن النسبة الحقيقية تبلغ 82.2% بنهاية نوفمبر الماضي.
كما تختلف معايير احتساب القروض والودائع، حيث تشمل القروض المخصوم منها المخصصات والعمولات، بينما تشمل الودائع كافة أنواع الحسابات مثل الحسابات تحت الطلب، الحسابات الآجلة، الحسابات الادخارية، اتفاقيات إعادة الشراء، بالإضافة إلى الديون طويلة الأجل مثل الصكوك والسندات.
تأثير أسعار الفائدة على الودائع والصكوك
وتشير التوقعات إلى أن إصدارات الصكوك ستؤثر على حجم الودائع التي من المتوقع أن تتأثر بدورها نتيجة لانخفاض أسعار الفائدة.
وقد شهدت الودائع بفائدة (الزمنية والادخارية) زيادة كبيرة خلال الفترة الماضية، حيث تمثل نحو 38% من إجمالي الودائع في الربع الثاني من العام، مع تريليون ريال سعودي، بينما تجاوزت هذه النسبة 50% لدى ثلاثة بنوك سعودية رئيسية.
عوائد الصكوك كبديل استثماري مغري
كما تتفاوت عوائد الصكوك المطروحة من قبل البنوك السعودية، حيث تتجاوز نسبة العائد على بعض الإصدارات 5% سنويًا، وقد تصل إلى 6.4% في بعض الحالات، مما يجعلها خيارًا استثماريًا جذابًا في ظل انخفاض أسعار الفائدة.
وهذه العوائد المغرية قد تشجع المستثمرين على تخصيص جزء من أموالهم في الصكوك بدلاً من الودائع التقليدية، التي قد تشهد تراجعًا في العوائد.
إصدارات الصكوك في البنوك السعودية 2024
وفي عام 2024، أصدرت البنوك السعودية المدرجة صكوكًا بقيمة إجمالية بلغت نحو 29 مليار ريال سعودي.
إضافة إلى ذلك، طرحت البنوك صكوكًا مقومة بالدولار الأمريكي بقيمة 6 مليارات دولار، وذلك لتخفيف الضغط على السيولة المحلية.
وهذه الإصدارات تدل على تطور ملحوظ في أسواق الدين المحلية والدولية، ما يعكس قوة النظام المالي السعودي وقدرته على جذب الاستثمارات.
اقرأ أيضًا: بين التفاؤل والحذر.. سوق الأسهم السعودية ينحني لضغوط القطاعات القيادية
الراجحي وقيادة السوق في تمويلات جديدة
وأبرزت وكالة “بلومبرغ” أن مصرف الراجحي قد حصل في سبتمبر الماضي على قرض إسلامي بقيمة 1.92 مليار دولار، وهو ما يمثل أكبر تمويل بنكي في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية العام 2024.
ومصرف الراجحي يعد من أبرز البنوك التي ستحصل على أعلى طلبات تمويل في السوق المحلية، نظرًا لتركز محفظته على الأفراد في السوق المحلية بنسبة 69% بنهاية الربع الثالث من العام، ما يجعله في موقع قوي للاستفادة من التوجهات الجديدة في السوق المصرفي.
وتزداد إصدارات الصكوك من البنوك السعودية بوتيرة سريعة في ظل التحديات المتزايدة في سوق التمويل المحلي.
وبينما تسعى البنوك لتعزيز سيولتها ودعم قاعدة ودائعها، فإن السوق يشهد تغييرات جذرية مع انخفاض أسعار الفائدة وزيادة الطلب على القروض.
وهذه الديناميكيات تؤكد على أن السعودية تتحرك نحو توسيع استخدام أدوات الدين مثل الصكوك لدعم الاقتصاد الوطني، ما يفتح المجال أمام فرص استثمارية جديدة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.