التخلص من الشرع وحكم ذاتي للدروز.. كيف ترسم إسرائيل خريطة جديدة لسوريا؟

في تصعيد غير مسبوق، استهدفتْ إسرائيل العاصمة السورية دمشق الأربعاء الماضي، في هجمات وصفتها مجلة «نيوزويك» الأمريكية بأنها الأخطر منذ وصول الرئيس السوري أحمد الشرع إلى السلطة قبل سبعة أشهر.
التصعيد العسكري الإسرائيلي لم يكن مجرد ضربة جوية، بل بحسب المجلة، جاء ضمن خطة أوسع لإعادة رسم خريطة سوريا، من خلال التهديد المباشر بالتخلص من الرئيس، والدفع نحو إقامة كيان درزي مستقل في الجنوب السوري.
الشرع في مرمى الاستهداف
ذكرت نيوزويك أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق تُعدّ الأعنف منذ سقوط نظام بشار الأسد، مشيرة إلى أن إسرائيل وسّعت عملياتها العسكرية في الجنوب السوري، في ظل ما تعتبره “تهديدات أمنية متصاعدة”.
ورغم ما قيل عن تقارب بين الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن المجلة ألمحت إلى أن الرئيس السوري الجديد قد يكون الهدف التالي لتل أبيب، في سياق سلسلة اغتيـ الات طالت قادة من محور المقاومة خلال الأشهر الـ21 الماضية.
الدروز ورقة إسرائيل الجديدة في سوريا
التصعيد الإسرائيلي جاء بالتزامن مع تصاعد العنف الطائفي في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، حيث أشارت تقارير إلى مقتل مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في مواجهات بين العشائر البدوية وقوات محلية درزية.
إسرائيل استغلت هذا الوضع، لتظهر بمظهر “المدافع عن الأقليات”، حيث دعا عدد من المسؤولين والدبلوماسيين الإسرائيليين إلى التدخل العسكري المباشر لحماية الدروز، متهمين حكومة الشرع بالفشل في احتواء الأزمة.
رحيل الشرع وتقسيم سوريا
في تصريح لافت، قال رضا منصور، السفير الإسرائيلي السابق والرئيس التنفيذي لمنظمة «يهود يثرون للدروز»، لمجلة «نيوزويك»، إن “إسرائيل أظهرت أنها لن تتردد في استهداف أي قائد يهدد أمنها القومي، سواء كان من حزب الله أو إيران أو حتى حماس”.
وأشار منصور بوضوح إلى أن “احتمال اغتـ يال الشرع مطروح على الطاولة، إذا ثبت أنه يُغذي الفوضى جنوب سوريا”.
كما أضاف منصور أن إسرائيل قد تدفع نحو إنشاء منطقة حكم ذاتي درزي جنوب سوريا، على غرار نموذج الإدارة الذاتية الكردية في الشمال الشرقي، مؤكدًا أن “هذا النموذج قد يكون مفيدًا للجميع، خاصة إذا عجزت دمشق عن حماية الدروز”.
نتنياهو يهدد سوريا
من جهته، صعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من لهجته، محذرًا من أن إسرائيل “لن تسمح بتحوّل الجنوب السوري إلى جبهة جديدة شبيهة بغزة أو لبنان”.
وأعلن أن حكومته تدرس فرض “منطقة عازلة” تمتد من دمشق حتى مرتفعات الجولان، تشمل السويداء ودرعا، في خطوة من شأنها تقويض سلطة الحكومة المركزية، وتعزيز نفوذ إسرائيل في خاصرة سوريا الجنوبية.
إسرائيل تستثمر في الانقسام الطائفي بـ سوريا
يرى مراقبون أن إسرائيل تحاول استثمار الانقسام الطائفي في سوريا لإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، عبر تشجيع الأقليات على الانفصال أو تشكيل كيانات محلية تحت وصاية إقليمية أو دولية. ويُعتبر الدروز في السويداء الحلقة الأضعف اليوم، وسط تراجع سيطرة الحكومة وتزايد نفوذ العشائر المسلحة.
وتبرز دعوات إسرائيلية متزايدة لتدويل ملف السويداء، وتصويره كقضية “أمن أقليات”، وهو ما يمنح تل أبيب شرعية مفتعلة للتدخل العسكري، تحت غطاء الحماية الإنسانية.
واشنطن تراقب
بحسب تقرير “نيوزويك”، فإن إدارة ترامب، رغم دعمها التاريخي لإسرائيل، لم تُبدِ تأييدًا مباشراً للضربات الأخيرة، بل أكدت في أكثر من مناسبة التزامها بوحدة الأراضي السورية.
وتعمل واشنطن حاليًا على إحياء اتفاق يدمج “قوات سوريا الديمقراطية” في الحكومة المركزية، في خطوة تهدف إلى توحيد الجبهات الداخلية ومنع التقسيم الفعلي للبلاد.
لكن تعقيدات التحالفات الدولية تجعل موقف ترمب متأرجحًا بين دعم نتنياهو من جهة، واحتواء الطموحات التركية والإسرائيلية في سوريا من جهة أخرى.
الشرع يرد: لن ننجر وراء الحرب مع إسرائيل
الرئيس السوري أحمد الشرع، وفي أول تعليق مباشر على التهديدات الإسرائيلية، قال إن “حماية أبناء السويداء أولوية وطنية”، متهمًا إسرائيل بمحاولة جرّ سوريا إلى حرب أهلية جديدة وتقسيم البلاد. وأضاف: “من يحاول فرض حكم ذاتي بالقوة، أو خلق كانتونات طائفية، يخدم أجندات خارجية معادية لوحدة سوريا”.
ورغم محاولات الشرع لطمأنة الطائفة الدرزية، فإن الغضب الشعبي في السويداء يتصاعد، وسط مطالبات بانسحاب الميليشيات الأجنبية، ووقف التدخلات الأمنية، وهو ما يعقّد موقف الحكومة المركزية ويمنح إسرائيل ذريعة لتصعيد تدخلها.
سوريا بين التقسيم والحرب مع إسرائيل
مع تزايد الحديث عن سيناريوهات التقسيم، يتضح أن إسرائيل لم تعد تكتفي بضربات جوية محدودة، بل تتحرك لترسيم وقائع جديدة على الأرض، من خلال دعم الأقليات، وتوسيع نطاق سيطرتها الأمنية جنوب سوريا.
ويبدو أن تل أبيب تسعى لإقامة “حزام أمني” شبيه بتجربتها السابقة في جنوب لبنان، لكن هذه المرة داخل الأراضي السورية، وبموافقة ضمنية من بعض القوى الإقليمية.
وفي ظل هذا التعقيد، يواجه الرئيس أحمد الشرع لحظة فارقة: إما أن يثبت قدرته على استعادة السيطرة على الجنوب وطمأنة المكونات المحلية، أو يواجه خطر التهميش وربما الإطاحة، سواء سياسيًا أو عبر اغتـ يال، كما ألمحت مصادر إسرائيلية.
اقرأ أيضا: السويداء تشتعل من جديد.. هل تفجّر فتنة الدروز والبدو حربًا أهلية في سوريا؟