التوسع الإسرائيلي يضعها على شفا الانهيار.. هل تتحول الغطرسة إلى كارثة؟

بعد أن كانت إسرائيل على شفا الانهيار، أصبحت الآن في موقع تفوق عسكري، مدعومةً بالكامل من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه القوة المُكتسبة حديثًا لا تخلو من المخاطر.
فوفقا لتحليل مجلة الإيكونوميست، بينما تُمضي حكومة إسرائيل قدمًا في سياساتها التوسعية، فإنها تُخاطر ليس فقط بتجاوز حدودها، بل أيضًا بخلق انقسامات عميقة داخل حدودها وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط الأوسع. إن ما قد تراه إسرائيل طريقًا نحو الأمن قد يُفضي إلى كارثة، مدفوعةً بالغطرسة والطموح الجامح.
من الضعف إلى العدوان: إسرائيل على شفا الانهيار
قبل 18 شهرًا فقط، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة وضعٍ مُزرٍ. كانت البلاد مُحاطةً بالأعداء، وعلاقتها مع الولايات المتحدة – حليفتها الرئيسية – مُتوترة، وكانت تُعاني من صدمة هجوم حماس الوحشي الذي تركها في حالة صدمة.
مع ذلك، أصبح الجيش الإسرائيلي اليوم أقوى من أي وقت مضى، بعد أن وجّه ضربات موجعة لحماس في غزة، وأضعف حزب الله في لبنان، وعطّل نفوذ إيران في المنطقة. وبدعم أمريكي كامل، تبدو إسرائيل مستعدة لاستعادة السيطرة على أمنها.
مع ذلك، فإن هذه الهيمنة العسكرية الجديدة تأتي مع مخاطر كبيرة. فقد استخلصت الحكومة الإسرائيلية استنتاجات مقلقة من نجاحاتها، أحدها الاعتقاد بأن الأساليب الوحشية تُجدي نفعًا. تشمل الإجراءات المتخذة في غزة، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، قطع الخدمات الأساسية وحجب المساعدات، منتهكة بذلك القانون الدولي.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن خطط الاحتلال الكامل لغزة مطروحة الآن، مع تزايد مخاوف التطهير العرقي. وقد وافقت إسرائيل، بتشجيع من رؤية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب “للسيطرة”، على إنشاء وكالة مصممة لتسهيل المغادرة “الطوعية” للفلسطينيين.
منطق الاستباق: سابقة خطيرة
الاستنتاج الخطير الثاني الذي توصلت إليه إسرائيل هو أنه بعد صدمة السابع من أكتوبر، فإن أفضل استراتيجية للحفاظ على الذات هي ضرب التهديدات المُتصوَّرة قبل أن تتحقق. وقد أدى ذلك إلى عمل عسكري في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى موقف عدائي تجاه إيران. وبينما قد تعتبر إسرائيل هذه الإجراءات ضرورية لبقائها، فإن تكاليفها باهظة.
إن اعتماد إسرائيل على أمريكا لإبراز قوتها العسكرية في المنطقة واضح. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد محفوف بالمخاطر. قد لا تدوم إدارة ترامب، الحليف القوي لإسرائيل، إلى أجل غير مسمى، وقد لا تتسامح الإدارات الأمريكية المستقبلية، وخاصةً في عهد الديمقراطيين، مع خطط الضم الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، مع إثارة الأعمال العسكرية الإسرائيلية لردود فعل عنيفة في جميع أنحاء المنطقة، قد يتزعزع استقرار تحالفاتها مع الدول العربية، بما في ذلك مصر والأردن.
اقرأ أيضًا: كسوف جزئي للشمس.. القمر يحجب جزءًا عن سكان نصف الكرة الشمالي
القضية الفلسطينية: وضع خاسر
من أكثر القضايا صعوبة التي تواجه إسرائيل مسألة كيفية التعامل مع الفلسطينيين. في أعقاب أهوال هجوم السابع من أكتوبر، يعارض معظم الإسرائيليين إقامة دولة فلسطينية أو منح الجنسية الكاملة للفلسطينيين داخل إسرائيل. ومع ذلك، فإن البدائل أكثر إثارة للقلق.
فالضم الرسمي للأراضي الفلسطينية سيؤدي إما إلى تطهير عرقي أو إلى خلق شعب محروم من حقوقه. إن المزيد من عزل الفلسطينيين في دويلات صغيرة غير قابلة للحياة لن يكون غير عملي فحسب، بل سيُمثل أيضًا خيانة للقيم التي قامت عليها إسرائيل.
الانقسامات الداخلية: إسرائيل على شفا الانهيار
على الرغم من نجاحاتها العسكرية الخارجية، فإن الوضع الداخلي في إسرائيل بعيد كل البعد عن الاستقرار. إن صدمة السابع من أكتوبر، التي كان من المفترض أن تُوحد المجتمع الإسرائيلي، قد عمّقت الانقسامات.
يؤيد غالبية الإسرائيليين المفاوضات مع حماس والانسحاب من غزة، وخاصةً من أجل إعادة الرهائن. ومع ذلك، يعتقد الكثيرون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يُعطي الأولوية للفصائل اليمينية المتشددة في ائتلافه للحفاظ على السلطة السياسية بدلاً من اتباع سياسات تخدم المصلحة الوطنية.
أدى هذا الشعور إلى تنامي الاستياء داخل الجيش الإسرائيلي، حيث يتساءل جنود الاحتياط عما إذا كانوا يقاتلون من أجل الصالح العام أم لمجرد استرضاء أقلية ذات نفوذ سياسي.
علاوة على ذلك، تُظهر الحكومة الإسرائيلية علامات مقلقة على تراجع ديمقراطي. فقد اتخذت خطوات لكبح استقلال القضاء ومؤسسات الدولة الأخرى، بما في ذلك إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) والنائب العام مؤخرًا.
أثارت هذه الخطوات احتجاجات واسعة النطاق، لا سيما بين أولئك الذين يعتبرونها محاولةً لخنق التحقيقات في الفساد داخل دائرة نتنياهو.
الإفراط في التوسع: مخاطر الغطرسة
يواجه الجيش الإسرائيلي خطر الإفراط في التوسع، حيث يُعاني جيشه المدني – المكون من جنود احتياط يُلزمون بالموازنة بين الخدمة العسكرية والحياة المدنية – من ضغط الطلب المستمر على القوات. وقد يؤدي انخراط عسكري طويل الأمد أو مزيد من التورط في صراعات إقليمية إلى استنزاف قواته.
إضافةً إلى ذلك، قد يشهد قطاع التكنولوجيا شديد الحركة والديناميكية، والذي يُعدّ أحد نقاط القوة الاقتصادية لإسرائيل، هجرةً كبيرةً إذا استمر عدم الاستقرار السياسي وتآكل سيادة القانون.
تاريخيًا، اعتمدت إسرائيل على الولايات المتحدة للمساعدة في تهدئة أفعالها في المنطقة. ومع ذلك، في عهد ترامب، قد تكون أيام هذا التأثير المُخفف قد ولّت، تاركةً إسرائيل تسلك طريقًا محفوفًا بالمخاطر دون أي ضبط نفس كانت قد حظيت به من حليفها الرئيسي.
في هذا العصر الجديد، يجب على إسرائيل أن تتحلى بالحكمة اللازمة لممارسة ضبط النفس قبل أن تُفضي أفعالها إلى أضرار لا رجعة فيها.