أهداف الحرب الأمريكية على اليمن.. طموحات استراتيجية أو لعبة شطرنج معقدة؟

الحرب الأمريكية على اليمن .. تصاعد التوتر في البحر الأحمر في الأشهر الأخيرة نتيجة الهجمات المتكررة التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية والعسكرية، مما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل عسكريًا بشكل مباشر.
أرسلت واشنطن حاملة الطائرات “يو إس إس هاري إس. ترومان”، ويتبعها الآن إرسال حاملة الطائرات الثانية “يو إس إس كارل فينسون”، في خطوة توضح جدية الموقف الأمريكي تجاه ما تعتبره تهديدًا لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تسعى الولايات المتحدة فقط لحماية الملاحة الدولية، أم أن هناك أهدافًا أخرى وراء هذا التدخل العسكري؟
الخلفية الإقليمية للحرب الأمريكية على اليمن
يمثل البحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، حيث تمر عبره ما يقرب من 12% من التجارة البحرية العالمية. لكن منذ اندلاع الصراع في اليمن عام 2015، لعب الحوثيون، المدعومون من إيران، دورًا متزايدًا في زعزعة استقرار هذا الممر، سواء من خلال الهجمات المباشرة على السفن أو التهديد باستخدام الطائرات المُسيّرة والصواريخ الباليستية.
لم يكن الصراع اليمني معزولًا عن المشهد الأوسع في الشرق الأوسط، حيث يأتي ضمن معركة نفوذ بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل. وفي هذا السياق، يعد الحوثيون أحد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، وقد زادت قوتهم بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مما مكّنهم من تهديد المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.
الحرب على غزة
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، زاد الحوثيون من عملياتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل، مبررين ذلك بدعمهم للفصائل الفلسطينية. لكن هذه الهجمات لم تؤثر فقط على المصالح الإسرائيلية، بل امتدت إلى شركات شحن عالمية، مما أثار قلق الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين يعتمدون على البحر الأحمر كممر رئيسي لوارداتهم وصادراتهم.
الأهداف الأمريكية من التدخل العسكري
لا يقتصر التدخل الأمريكي على حماية التجارة الدولية فقط، بل يعكس أهدافًا أوسع، تتعلق باستراتيجيات واشنطن في الشرق الأوسط. يمكن تلخيص هذه الأهداف في عدة نقاط رئيسية:
حماية حرية الملاحة والتجارة الدولية
تعتبر الولايات المتحدة البحر الأحمر ممرًا استراتيجيًا لا يمكن السماح بتهديده، خاصة أنه يربط بين أوروبا وآسيا ويمثل جزءًا من طرق الطاقة العالمية. تسببت هجمات الحوثيين في اضطراب حركة السفن، مما دفع شركات شحن رئيسية إلى تغيير مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو خيار أكثر تكلفة وأقل كفاءة. وبالنظر إلى التأثيرات السلبية على الاقتصاد العالمي، فإن واشنطن لا تريد السماح للحوثيين بفرض سيطرتهم على هذا الممر المائي الحساس.
احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، تصاعدت التوترات بين الجانبين، وأصبحت المواجهة بين إيران ووكلائها الإقليميين، مثل الحوثيين وحزب الله، جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. ترى واشنطن أن أي نجاح للحوثيين في فرض نفوذهم على البحر الأحمر سيعزز مكانة إيران إقليميًا ويمنحها أوراق ضغط إضافية في أي مفاوضات مستقبلية، سواء بشأن الملف النووي أو القضايا الإقليمية الأخرى.
طمأنة الحلفاء الإقليميين
تعتبر إسرائيل، من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وقد أبدوا قلقهم من تصاعد التهديدات الحوثية. من خلال إرسال حاملات الطائرات وشن ضربات جوية، تسعى واشنطن إلى طمأنة حلفائها بأنها ملتزمة بأمن المنطقة ولن تسمح بتوسع النفوذ الإيراني أو تهديد حركة التجارة العالمية.
دعم إسرائيل في صراعها مع المقاومة
منذ بداية الحرب على غزة، تبنت الولايات المتحدة موقفًا داعمًا لإسرائيل، سواء عسكريًا أو سياسيًا. ومع تعرض السفن المرتبطة بإسرائيل لهجمات متكررة في البحر الأحمر، كان لابد لواشنطن من التدخل لمنع الحوثيين من فرض معادلة جديدة تضر بالمصالح الإسرائيلية. علاوة على ذلك، فإن تزايد التهديدات من عدة جبهات، بما في ذلك لبنان والعراق وسوريا، يجعل من الضروري للولايات المتحدة فرض معادلة ردع جديدة ضد وكلاء إيران، وعلى رأسهم الحوثيون.
اختبار قوة الردع الأمريكية بعد الانسحاب من أفغانستان
منذ انسحابها من أفغانستان في أغسطس عام 2021، واجهت الولايات المتحدة انتقادات بشأن تراجع قوتها في الشرق الأوسط. جاء التدخل العسكري ضد الحوثيين فرصة لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، وإرسال رسالة مفادها أن واشنطن لا تزال قادرة على التدخل عسكريًا عندما يتطلب الأمر ذلك.
بالرغم من أن الولايات المتحدة تبدو مصممة على ردع الحوثيين، إلا أن هذا التدخل يحمل مخاطر كبيرة، من بينها:
تصعيد أكبر مع إيران
قد يؤدي القصف الأمريكي للحوثيين إلى رد فعل عنيف من طهران، التي قد تدفع بوكلائها الآخرين، مثل حزب الله في لبنان أو الميليشيات العراقية، إلى تنفيذ هجمات ضد القوات الأمريكية أو المصالح الغربية في المنطقة.
تزايد خطر الحرب الإقليمية
مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على لبنان وسوريا، قد يؤدي التدخل الأمريكي ضد الحوثيين إلى اشتعال جبهات أخرى، مما يزيد من احتمالية اندلاع حرب إقليمية أوسع.
تأثير اقتصادي عالمي
يرجح الخبراء العسكريون أنه في حال استمرت التوترات في البحر الأحمر، فقد يتسبب ذلك في ارتفاع أسعار النفط والشحن البحري، مما سيؤثر على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتوترة التي يمر بها العالم حاليًا.
عوامل تفوق جماعة الحوثي
ولكن يرجح عدد من الخبراء العسكريين أنه لن تنجح الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها بنسبة 100%، فقد مر حوالي أسبوع من القصف الجوي، دون تحقيق نتيجة حقيقية رادعة توقف هجمات الحوثيين على إسرائيل .. وتريد الولايات المتحدة المزيد من القوة الضاربة بانضمام حاملة طائرات “كارل فينسون” للحاملة الموجودة هناك بالفعل.
ولكن المعركة لا تزال طويلة، وخاصة أن عامل الأرض في صالح عناصر جماعة الحوثي، حيث الطبيعة الجبلية التي يتخذونها ملاذاً آمناً لهم، ويمكنهم إطلاق صواريخهم والاختباء سريعاً في الدروب الجبلية، دون رصد حقيقي لمواقعهم رغم التقدم العسكري والتكنولوجي للولايات المتحدة.
إلى أين تتجه الأمور؟
يبدو أن الولايات المتحدة ليست في صدد خوض حرب مفتوحة في اليمن، لكنها تهدف إلى فرض توازن ردع يمنع الحوثيين من مواصلة تهديد الملاحة الدولية، وكذلك إنهاء تهديدها لإسرائيل .. ومع ذلك، فإن استمرار العمليات العسكرية دون تحقيق نتائج ملموسة قد يؤدي إلى تصعيد أوسع، خاصة إذا قررت إيران الرد بشكل غير مباشر عبر تصعيد هجمات وكلائها الإقليميين.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح واشنطن في تحقيق أهدافها دون الانزلاق إلى مستنقع حرب طويلة أخرى في الشرق الأوسط؟ أم أن الصراع سيتحول إلى مواجهة مفتوحة تتجاوز اليمن إلى المنطقة بأكملها؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.
اقرأ أيضاً: إيران تنشر صواريخ متطورة في جزر استراتيجية.. رسالة نارية قرب مضيق هرمز