الحرب في السودان.. كيف أشعل جنرالان متنافسان أكبر صراع في أفريقيا

تعد الحرب في السودان، المستمرة منذ عامين، والذي شرّد الملايين وأودى بحياة أكثر من 150 ألف شخص، معركةً مُدمرةً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

تعود جذور هذه الحرب إلى صراع على السلطة بين حليفين سابقين تحالفا للاستيلاء على السلطة عام 2021، ومع استمرار الجيش السوداني في استعادة مناطق رئيسية، بما في ذلك القصر الرئاسي، تتزايد الخسائر في صفوف المدنيين واستقرار المنطقة. فيما يلي تحليلٌ لأصول الصراع، وتداعياته الإنسانية، ودور الأطراف الخارجية.

الحرب في السودان: التقدم الاستراتيجي للجيش

منذ اندلاع الحرب عام 2023، سيطرت قوات الدعم السريع على معظم العاصمة السودانية الخرطوم، إلا أن الجيش شنّ هجومًا مضادًا، واستعاد منذ ذلك الحين أجزاءً كبيرة من المدينة، بما في ذلك مواقع استراتيجية رئيسية مثل الجسور على نهر النيل.

في 21 مارس، نجح الجيش في الاستيلاء على القصر الرئاسي، رمز قوة السودان لقرون. ورغم هذه المكاسب، لا تزال قوات الدعم السريع تُحافظ على معقلها في دارفور، حيث تُواصل ارتكاب فظائع ضد المدنيين، مما يُعقّد جهود السلام أكثر.

الأزمة الإنسانية

إنّ الأثر الإنساني للحرب كارثي، فقد أسفر الصراع عن أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث نزح ما يقرب من 13 مليون شخص، وقد فرّ ما يُقدّر بنحو 3.7 مليون شخص إلى دول مجاورة مثل جنوب السودان وتشاد، بينما لا يزال كثيرون آخرون عالقين داخل حدود السودان، وقد أدّى الصراع إلى مجاعة واسعة النطاق، وتفشّي الأمراض، ووفاة الآلاف بسبب الجوع والعنف.

الوضع في دارفور مُزرٍ للغاية، حيث تفاقمت الفظائع المُستمرة بسبب الحملات العسكرية لقوات الدعم السريع، وقد أفادت منظمات دولية، بما فيها الأمم المتحدة، بالاستخدام المُروّع للعنف الجنسي كسلاح حرب، حيث يقع أطفال لا تتجاوز أعمارهم عامًا واحدًا ضحايا للاغتصاب.

اتهمت الولايات المتحدة قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية ضد شعب المساليت، وهي جماعة عرقية مستهدفة في الصراع.

كيف بدأت الحرب في السودان؟

تعود جذور الحرب إلى تنافس عميق بين أقوى جنرالين في السودان: الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، والفريق محمد حمدان، قائد قوات الدعم السريع.

في عام 2021، اجتمع الرجلان في انقلاب عسكري أطاح بالحكومة المدنية السودانية، التي تولت السلطة بعد ثورة 2019 التي أطاحت بالديكتاتور عمر البشير.

مع ذلك، سرعان ما تدهور تحالفهما مع اشتباكهما حول مستقبل قوات الدعم السريع، وخاصة فيما يتعلق باندماجها في الجيش الوطني.

فشلت الجهود الدبلوماسية للتوسط في التوترات، وبحلول أبريل 2023، تصاعد التنافس إلى قتال شامل، إيذانًا ببداية الصراع الحالي. منذ ذلك الحين، انخرط الجانبان في معارك ضارية من أجل السيادة، حيث حاول الجيش ترسيخ سيطرته على البلاد، بينما تقاتل قوات الدعم السريع للحفاظ على استقلاليتها.

اقرأ أيضا.. من الخوف إلى الفخر.. كيف تحول “المطلوب” في سوريا إلى وسام شرف؟

دور القوى الأجنبية

جذبت الحرب في السودان قوى أجنبية متعددة، تسعى كل منها إلى تحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية. وكانت الإمارات العربية المتحدة من أكثر الجهات الأجنبية نفوذاً، حيث زودت قوات الدعم السريع سراً بالأسلحة من قاعدة في تشاد.

حتى أن السودان رفع دعوى قضائية ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، متهماً إياها بالتواطؤ في أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في دارفور.

كما لعبت روسيا دوراً هاماً، حيث دعمت قوات الدعم السريع في البداية من خلال مرتزقتها من شركة فاجنر، لكنها حولت ولاءها لاحقاً إلى الجيش السوداني. وينبع دعم روسيا من اهتمامها بتأمين الوصول البحري إلى ساحل السودان على البحر الأحمر.

قدمت دول أخرى، منها تركيا وإيران وقطر والسعودية، أسلحةً أو تمويلًا للجيش السوداني، مما زاد من تعقيد الوضع الدبلوماسي المتوتر أصلًا. هذه التدخلات الأجنبية لا تُطيل أمد الصراع فحسب، بل تُقوّض أيضًا الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سلمي.

مستقبل السودان وآفاق السلام

لا يزال الوضع في السودان متقلبًا، دون نهاية فورية في الأفق. قد تكون انتصارات الجيش الأخيرة في الخرطوم رمزية، لكنها لا تضمن نهايةً للصراع. لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على أجزاء من البلاد، ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، يتزايد الضغط على المجتمع الدولي للتدخل.

يحذر الخبراء من أن غياب نهج دولي موحد وانخراط قوى أجنبية ذات مصالح متضاربة يجعلان التوصل إلى حل سلمي أمرًا صعبًا بشكل متزايد. مع تطور الصراع، تعتمد آفاق مستقبل السودان بشكل كبير على قدرة المجتمع الدولي على إيجاد طريقة للتعامل مع الشبكة المعقدة للقوى السياسية والعسكرية والاقتصادية المؤثرة.

زر الذهاب إلى الأعلى