الحروب الحديثة.. أرض خصبة لانتشار الجراثيم القاتلة في الشرق الأوسط
القاهرة (خاص عن مصر)- في أعقاب الصراعات العنيفة، غالبًا ما تكون الخسائر البشرية مرئية في ساحات المعارك الدامية والمجتمعات المدمرة. ومع ذلك، فإن التكلفة الخفية للحرب الحديثة تتجاوز الخسائر المباشرة: فمن الواضح الآن أن الحرب تؤدي إلى تفاقم الارتفاع العالمي للجراثيم الخارقة المقاومة للأدوية.
بحسب تحقيق نشرته نيويورك تايمز، للكاتبة فرانسيسكا ماري، أصبحت دول مثل العراق وسوريا واليمن وأفغانستان حاضنات لبعض أكثر مسببات الأمراض فتكًا في العالم، مما أدى إلى تأجيج أزمة الصحة العامة التي قد يكون لها عواقب كارثية على مستوى العالم.
بينما يسعى الباحثون إلى فهم سبب انتشار هذه العدوى على نطاق واسع، قد تكمن الإجابة في الظروف الفريدة التي خلقتها الحروب المستمرة.
تأثير الحرب على الأنظمة الصحية
تمتد العواقب المدمرة للحرب إلى الأنظمة الصحية في المناطق المتضررة. فالمستشفيات، التي تكافح بالفعل تحت وطأة الظروف المكتظة والموارد المحدودة، تصبح أرضًا خصبة للعدوى.
في العراق، على سبيل المثال، أفادت مستشفيات مثل مستشفى الحروق التخصصي في بغداد بمعدلات عالية من العدوى المقاومة. في يوليو 2024، كان مريض يبلغ من العمر 25 عامًا في هذا المستشفى من بين العديد من الذين يعانون من مثل هذه العدوى، مما يسلط الضوء على هذه القضية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة.
الوضع مروع، ليس فقط بسبب الجروح الجسدية المباشرة التي تسببها القنابل والرصاص والشظايا ولكن أيضًا بسبب التأثير العميق للحرب على النظافة والبنية التحتية الطبية. إن تدمير المرافق الطبية، إلى جانب محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي الأساسي، يخلق الظروف المثالية لازدهار العدوى.
- انتشار الجراثيم القاتلة في الشرق الأوسط – نيويورك تايمز
دراسة حالة: كفاح كريستينا عاصي
أحد الأمثلة المؤلمة لكيفية تعزيز الحرب الحديثة للعدوى القاتلة هي قصة كريستينا عاصي، وهي مصورة صحفية لوكالة فرانس برس، أصيبت بجروح خطيرة أثناء تغطيتها للاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. سقطت قذيفة دبابة بالقرب من موقع عاصي، مما تسبب في أضرار جسيمة في ساقيها.
أسفر الانفجار عن إصابات تهدد حياتها، وتم نقل عاصي على وجه السرعة إلى المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت، حيث قدر الأطباء في البداية فرص بقائها على قيد الحياة بنسبة 50 في المائة فقط.
رغم العمليات الجراحية المتعددة والعلاج المكثف، ساءت حالة عاصي مع إصابة جروحها بالعدوى. وقد حدد أطباؤها مجموعة من مسببات الأمراض البكتيرية والفطرية، بما في ذلك سلالة نادرة من فطريات الرشاشيات، والتي ساهمت على الأرجح في بتر ساقها اليمنى في نهاية المطاف.
لم تكن هذه النتيجة المأساوية نتيجة للصدمة الأولية، بل كانت بسبب العدوى المقاومة للأدوية التي انتشرت في أعقاب إصاباتها.
- الجراثيم القاتلة في الشرق الأوسط – نيويورك تايمز
ظهور الجراثيم المقاومة للأدوية المتعددة
إن انتشار مسببات الأمراض المقاومة للأدوية المتعددة ليس ظاهرة جديدة، ولكن الحرب الحديثة تعمل على تسريع هذا الاتجاه.
وفقًا للبحوث، فقد شهد الشرق الأوسط ارتفاعًا مثيرًا للقلق في انتشار العدوى المقاومة. وتشمل بعض أخطر الجراثيم الخارقة في المنطقة كلبسيلا الرئوية، والزائفة الزنجارية، والإشريكية القولونية، والمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين، وبكتيريا Acinetobacter baumannii سيئة السمعة، وهي سلالة من البكتيريا سافرت إلى الوطن مع الجنود الأميركيين وأصبحت تُعرف باسم “البكتيريا العراقية”.
وقد حددت منظمة الصحة العالمية هذه الجراثيم الخارقة باعتبارها تهديدات حرجة للصحة العالمية. وبحلول عام 2050، تتوقع مجلة لانسيت أن تكون مقاومة مضادات الميكروبات مسؤولة عن 8.22 مليون حالة وفاة سنويًا، متجاوزة السرطان كسبب رئيسي للوفاة. وتوفر مناطق الحرب، بظروفها الفوضوية ونقص الصرف الصحي، لهذه الجراثيم المسببة للأمراض بيئة خصبة للتحور والانتشار.
كيف تعزز الحرب انتشار المقاومة
تلعب الحقائق الوحشية للحرب دورًا محوريًا في انتشار هذه الجراثيم المسببة للأمراض الخطيرة. وتحرم الصراعات المدنيين من الغذاء والمياه النظيفة والصرف الصحي المناسب، مما يخلق ظروفًا مواتية للإصابة. إن الجروح الناجمة عن الانفجارات والشظايا تصبح ملوثة بالتربة والحطام والميكروبات، مما يزيد من تعقيد العلاج.
غالبا ما ينتهي الأمر بالمصابين في المستشفيات المكتظة أو مخيمات اللاجئين حيث تنتشر العدوى بسرعة. وفي هذه البيئات، تكافح حتى أكثر العلاجات الطبية تطورا لاحتواء انتشار البكتيريا المقاومة للأدوية.
يزعم الخبراء أن هذه الظروف فريدة من نوعها في مناطق الحرب، حيث يخلق التقاء الصدمات الجسدية والتلوث البيئي وأنظمة الصحة المثقلة بالضغوط عاصفة مثالية لظهور الجراثيم المقاومة للأدوية. كما أن تنقل الأفراد المصابين، الذين غالبا ما يتشردون بسبب الصراع، يسهل انتشار هذه الجراثيم الخطيرة على مستوى العالم.
أزمة صحية عالمية في طور التكوين
مع استمرار تمزق الشرق الأوسط بسبب الحرب، لا يمكن تجاهل الآثار العالمية لأزمة الجراثيم المقاومة للأدوية. فقد أصبحت دول مثل العراق وسوريا واليمن أرضا خصبة للعدوى المقاومة للأدوية، والتي قد تصل قريبا إلى أجزاء أخرى من العالم.
يشكل استمرار هذه الجراثيم، إلى جانب قدرتها على التكيف مع المضادات الحيوية المتعددة، تحديا غير مسبوق لأنظمة الصحة العامة العالمية.
الشرق الأوسط، وخاصة في مناطق الحرب مثل العراق وغزة، تكون المخاطر عالية مع صراع السكان مع التأثيرات المشتركة للمرض والحرب والفقر. ومع تحول هذه المناطق إلى أرض خصبة للبكتيريا المقاومة، فإن التأثيرات المتتالية تصبح محسوسة خارج حدودها.
فالأمراض والعدوى الناتجة عن الصراع سوف تنتشر حتما، مما يؤثر على السكان في جميع أنحاء العالم، وهو تذكير قاتم بأن عواقب الحرب لا تقتصر أبدا على ساحة المعركة. وسواء كان ذلك من خلال انتشار البكتيريا المقاومة أو انهيار أنظمة الرعاية الصحية، فإن العواقب الطبية للحرب لديها القدرة على تعطيل الصحة العالمية للأجيال القادمة.