الدولة تفرض سيادتها.. كيف استفادت حكومة الشرع من أحداث السويداء؟

بعد اشتباكات وأحداث دموية استمرت 48 ساعة في قلب محافظة السويداء، أعلن الجيش السوري، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، فرض سيطرته على مركز المدينة.

هذا التحول الميداني لم يكن مجرد استجابة أمنية فورية، بل بدا وكأنه لحظة سياسية مدروسة، استثمرتها الحكومة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع لإعادة ترسيخ هيبة الدولة، والتقدم خطوة إضافية في مشروع استعادة الجنوب السوري من الفوضى والتفكك.

شرارة الاشتباكات في السويداء

بدأت الأزمة باشتباكات عنيفة اندلعت صباح الأحد في حي المقوّس شرقي السويداء بين فصائل محلية ومجموعات مسلّحة تنتمي لعشائر البدو، تسببت بمقتل وجرح العشرات.

سرعان ما اتسعت رقعة المواجهات، وتحولت أحياء المدينة إلى مناطق نزاع، وسط غياب كامل لأي سلطة أمنية مركزية.

ومع تصاعد التوتر، تصدّرت السويداء واجهة المشهد السوري من جديد، كمنطقة ما زالت خارج سيطرة الدولة المركزية رغم مرور أكثر من ستة أشهر على سقوط النظام السابق.

دخول الجيش إلي السويداء

بحلول صباح الإثنين، أعلنت وزارة الداخلية فرض حظر تجول شامل، وأكدت قيادة الجيش السوري بدء دخول الوحدات إلى مركز المدينة.

ورافقت ذلك بيانات ثلاثية صدرت عن الأمن الداخلي، والرئاسة الروحية للدروز، ووزارة الدفاع، لتمنح العملية العسكرية غطاءً سياسياً واجتماعياً غير مسبوق.

وفي توقيت لافت، جاءت هذه الخطوة متزامنة مع مساعٍ حثيثة تقودها حكومة الشرع لتثبيت سلطتها في المناطق الخارجة عن السيطرة، وفرض استقرار يُمهد لمرحلة إعادة الإعمار والمؤسسات الرسمية.

وبحسب تقارير فقد قدّمت السويداء، عبر هذا التحول، نموذجاً مهماً يُمكّن الحكومة من مخاطبة الداخل والخارج على أنها قادرة على فرض النظام واحتواء النزاعات المحلية دون الحاجة إلى تدخلات دولية.

مكاسب سياسية لحكومة الشرع من أحداث السويداء

وفق مراقبون فقد استطاعت حكومة الشرع من خلال استعادة السويداء إبراز قدرتها على إدارة الملف الأمني في محافظة ذات خصوصية طائفية معقّدة، كانت لعقود خارج السيطرة.

كما جاءت هذه الخطوة في وقت بدأ فيه بعض مشايخ الطائفة الدرزية، وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، التلويح بطلب “الحماية الدولية”، وهو ما واجهته الحكومة بتحرك حاسم منع أي تبرير لتدويل الملف.

كما إن بيان الرئاسة الروحية الذي رحّب بدخول الجيش أعطى حكومة الشرع تفويضاً معنوياً في البيئة الدرزية، قد يساعدها مستقبلاً على فتح حوار سياسي لإعادة دمج السويداء ضمن مؤسسات الدولة.

كما وضعت العملية العسكرية حداً للفصائل المسلحة غير المنضبطة، وأعادت ضبط ميزان القوة في المحافظة بما ينسجم مع سياسة الحكومة الانتقالية.

الرئاسة الروحية تدعم الدولة بعد أحداث السويداء

لعب بيان الرئاسة الروحية للدروز دوراً جوهرياً في تحوّل ميزان القوى. إذ أكد البيان أن «استعادة الأمن في السويداء تمر عبر بسط سلطة الدولة»، داعياً إلى تسليم السلاح وفتح حوار مع الحكومة.

وقد اعتبر مراقبون أن هذا البيان منح حكومة الشرع فرصة نادرة لكسب الشرعية الدينية في بيئة طالما تحصّنت بمراجعها المحلية بعيداً عن الدولة المركزية.

موقف دمشق وتراجع نداءات “الحماية”

فيما بدا أنه تراجع من بعض قادة الفصائل عن مواقفهم السابقة، عاد الشيخ حكمت الهجري ليُحمّل المسؤولية لكل من “يعتدي على مناطقنا وأهلنا”، دون أن يعارض صراحة دخول الجيش.

بالتزامن، رفض وليد جنبلاط، السياسي الدرزي اللبناني البارز، أي دعوات لحماية خارجية أو تدخل إسرائيلي، مؤيداً الحل السياسي عبر الدولة السورية.

نحو مرحلة جديدة في الجنوب السوري؟

وفق مراقبون تؤشر التحركات الأمنية والسياسية في السويداء إلى أن الحكومة السورية الانتقالية اختارت توقيتاً مناسباً لفرض الاستقرار في المحافظة، خاصة في ظل دعم محلي وديني.

وفي ضوء التصريحات الرسمية، فإن العملية لم تكن مجرد استجابة لعنف طارئ، بل خطوة محسوبة ضمن مشروع إعادة ترميم الدولة بعد انهيار النظام السابق.

كما أن التزام الفصائل المسلحة بتسليم السلاح وعدم عرقلة دخول الجيش، كما ورد في البيانات الرسمية، يعكس تغيّراً في المزاج المحلي، وإدراكاً لحجم الخسائر الناتجة عن استمرار الفوضى.

اقرأ أيضًا: الفشقة تشتعل من جديد.. هل تعود الحرب الصامتة بين السودان وإثيوبيا؟

زر الذهاب إلى الأعلى