الردع الصيني.. الثالوث النووي لبكين عملاق غير قادر على تهديد الولايات المتحدة

بعد أن كشفت الصين عن مواصفات صاروخها العابر للقارات DF-5، ما يعكس ثقة متزايدة في قدراتها النووية البرية.

إلا أن هذا الانفتاح يخفي وراءه خللًا استراتيجيًا واضحًا في مكونات “الثالوث النووي” الصيني، والذي لا يزال يفتقر إلى التوازن في الجانبين البحري والجوي.

صواريخ DF-5 تكشف الخلل في “الثالوث” النووي للصين

فبحسب تقرير نشرته صحيفة South China Morning Post، فقد بثّت وسائل الإعلام الصينية تفاصيل دقيقة عن صاروخ DF-5، وهو صاروخ باليستي من الجيل الأول قادر على حمل رأس نووي بقوة تتراوح بين 3 إلى 4 ميغاطن، أي ما يعادل 200 ضعف قنبلتي هيروشيما وناجازاكي.

ويصل مداه إلى 12 ألف كيلومتر، ما يجعله قادرًا على ضرب أهداف داخل الولايات المتحدة وأوروبا.

ويبلغ طول الصاروخ 32.6 مترًا، ويزن عند الإطلاق 183 طنًا، ويتميز بدقة تصل إلى 500 متر. ويرى الخبير العسكري الصيني، سونغ تشونغبينغ، أن هذه الخطوة تمهد لإدخال أنظمة أكثر تقدمًا وتحديث الأسلحة القديمة القائمة على الصوامع.

تحديثات برية متقدمة.. من DF-31 إلى DF-41

إلى جانب DF-5، شهدت الترسانة الصاروخية الصينية تطورًا لافتًا مع دخول صواريخ DF-31 وDF-41، والتي تمثل مراحل متقدمة في بناء الردع النووي.

فصاروخ DF-31، الذي دخل الخدمة عام 2006، يعتمد على وقود صلب بثلاث مراحل، وتصل نسخة DF-31AG إلى مدى 13,200 كلم، وتستطيع حمل 4 رؤوس نووية مستقلة. كما أنه قادر على الحركة على الطرق الوعرة، مما يعزز قدرته على البقاء والردع.

أما DF-41، فقد ظهر للعلن عام 2019، ويعد من الجيل الرابع. يتميز بمدى يتراوح بين 12 إلى 15 ألف كلم، وقادر على حمل ما يصل إلى 10 رؤوس نووية (MIRVs). وهو متوفر في نسخ برية وجوية وسككية، ويصل لسرعة تصل إلى ماخ 25، ما يمثل طفرة في القدرات الصينية النووية البرية.

تفوق بري يقابله ضعف بحري وجوي

رغم التقدم البرّي، فإن مكونات الثالوث النووي الأخرى للصين ما زالت متخلفة بشكل كبير.

فبحسب تقرير لمجلة Bulletin of the Atomic Scientists في مارس 2025، فإن القوة النووية البرية تبقى العمود الفقري للردع الصيني، في حين أن القدرات البحرية والجوية ما زالت تعاني من اختلالات حادة.

الذراع البحري.. غواصات مزعجة وتهديدات باقية

يشير تقرير صادر عن “معهد الدراسات البحرية الصينية” (CMSI) إلى أن الغواصات النووية الصينية من طراز Type 094 – وعددها ست – تعاني من ضوضاء عالية مقارنة بنظيراتها السوفيتية القديمة، ما يجعل اكتشافها أمرًا محتملًا بواسطة قدرات الحرب المضادة للغواصات الأمريكية.

كما أن صواريخ JL-2 المحمولة على هذه الغواصات لا تستطيع ضرب الأراضي الأمريكية من المياه الصينية، بينما لا تزال صواريخ JL-3 الأطول مدى في مراحل مبكرة من الانتشار.

وتحدّ القيود الجغرافية ومخاطر الرصد من قدرة الصين على تنفيذ دوريات بحرية استراتيجية في المحيط الهادئ.

الذراع الجوي .. قدرات محدودة وطموحات مؤجلة

أما في المجال الجوي، فيؤكد تقرير صادر عن “المعهد الوطني للدراسات الدفاعية” الياباني (مارس 2024) أن سلاح الجو الصيني يعتمد حاليًا على قاذفة H-6N في تنفيذ المهام النووية، إلا أن مداها القصير وحاجتها للتزود بالوقود جوًا يقللان من قدرتها على الوصول إلى أهداف استراتيجية بعيدة مثل الأراضي الأمريكية.

أما القاذفة الشبحية الجديدة H-20، والتي يُعوّل عليها لسد هذا النقص، فقد يتأخر دخولها حتى ثلاثينيات هذا القرن، وسط شكوك غربية حول قدرة الصين على امتلاك التكنولوجيا اللازمة لمضاهاة نظرائها الأمريكيين.

ردع مبني على “الغموض المصنّع”؟

في ظل هذا الخلل، يرى باحثون أن الصين تعتمد على استراتيجية مؤقتة تُعرف بـ”الردع المصنّع”، تقوم على الغموض والإرباك بدلًا من التوازن الحقيقي بين أضلاع الثالوث النووي.

الباحث هونغيو زانغ، وفي دراسة حديثة له نُشرت بمجلة Chinese Journal of International Politics، يرى أن الصين تسعى لخلق شكوك في حسابات الخصوم دون امتلاك قدرة ضربة ثانية مضمونة، بما يعزز قوة ردعها دون الدخول في سباق تسلح مكلف.

سباق تسلح صيني متسارع

ورغم السياسة المعلنة بعدم الاستخدام الأول للسلاح النووي، يشير تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) في يونيو 2025 إلى أن الترسانة النووية الصينية بلغت 600 رأس حربي بحلول يناير، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 1500 رأس بحلول عام 2035، رغم أن ذلك لا يزال أقل بكثير من مخزونات روسيا وأمريكا.

كما أن الصين أضافت منذ عام 2023 ما يقارب 100 رأس نووي سنويًا، واستكملت بناء 350 صومعة جديدة لصواريخها الباليستية العابرة للقارات.

قوة ظاهرة وضعف داخلي

رغم ما يبدو من تطور كبير في القدرة النووية الصينية، إلا أن الإفصاح الأخير عن قدرات DF-5 يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا؛ فـ”العملاق النووي الصيني” لا يزال يقف على ساق واحدة قوية، بينما تظل ساقاه البحرية والجوية في طور النمو، ما يترك الثالوث النووي الصيني غير متوازن، ويعتمد على استراتيجية غامضة أكثر من اعتماده على قوة متكاملة.

اقرأ أيضًا.. إسرائيل تعرض على الهند صاروخ Sky Sting من الجيل السادس

زر الذهاب إلى الأعلى