السعودية تُشعل النفط بأسعار قياسية لآسيا وسط تسارع إنتاج أوبك+.. ثقة أم مخاطرة؟

في خطوة جريئة تحمل في طياتها رسائل اقتصادية وسياسية متعددة، رفعت المملكة العربية السعودية أسعار خامها الرئيسي المُخصص للأسواق الآسيوية، بالتزامن مع تسارع غير مسبوق في وتيرة زيادة إنتاج تحالف أوبك+.

الثقة في الطلب تُحرك استراتيجية أرامكو التسعيرية

ويسلط هذا التحرك المزدوج، الذي يأتي في وقت تتقاطع فيه توقعات الفائض مع بوادر استقرار في الطلب، الضوء على الرؤية السعودية تجاه مستقبل سوق الطاقة، ويطرح تساؤلات حول قدرة السوق على امتصاص هذه الزيادات دون أن تُترجم إلى ضغوط على الأسعار.

وبينما يرى البعض أن الرياض تراهن بثقة على مرونة السوق، يحذر آخرون من تداعيات محتملة لتقلبات العرض والطلب خلال النصف الثاني من العام.

ومن المقرر أن ترفع شركة أرامكو السعودية، عملاق النفط المملوك للدولة، سعر خامها العربي الخفيف بمقدار دولار واحد للبرميل، ليتجاوز بذلك سعره المرجعي الإقليمي للعملاء الآسيويين بمقدار 2.20 دولار في أغسطس، وفقاً لبيان أسعار من الشركة اطلعت عليه “بلومبرج”.

وتتجاوز هذه الزيادة، التي جاءت أكثر حدة مما توقعه المحللون، التوقعات المُجمع عليها بزيادة متواضعة قدرها 65 سنتا، والتي جُمعت في استطلاع بلومبرج لآراء التجار والمصافي.

أوبك+ تُسرّع انتعاش الإنتاج

وفي تطور متزامن، وافق تحالف أوبك+ بقيادة السعودية وعضوية روسيا على زيادة الإنتاج بمقدار 548 ألف برميل يوميًا خلال شهر أغسطس. وتُمثل هذه الزيادة الشهرية الرابعة على التوالي، وهي سابقة بشكل كبير للجداول الزمنية السابقة.

ومن خلال زيادة الإنتاج بوتيرة أسرع من المتوقع، تستعد المجموعة الآن لإنهاء تخفيضات الإنتاج الطوعية بحلول سبتمبر، أي قبل عام كامل من الموعد المحدد.

وفي السابق، التزمت مجموعة المنتجين بزيادات قدرها 411 ألف برميل يوميا لأشهر مايو ويونيو ويوليو.

ويُعزى هذا الانتعاش السريع في الإنتاج بشكل كبير إلى أنماط الاستهلاك في ذروة الصيف وارتفاع هوامش أرباح المصافي العالمية، والتي لا تزال قوية بفضل الطلب الموسمي على البنزين والديزل.

تحذيرات المحللين: العرض قد يتجاوز الطلب

وعلى الرغم من الموقف الإيجابي الواضح من أوبك+ والمملكة العربية السعودية، لا يزال بعض المحللين حذرين. فقد توقعت مؤسسات مالية كبرى، مثل جي بي مورجان تشيس وجولدمان ساكس، انخفاضا حادا في الأسعار، متوقعة انخفاض خام برنت إلى حوالي 60 دولارا للبرميل بحلول الربع الرابع.

وتشير هذه المؤسسات إلى فائض وشيك في المعروض نتيجة للزيادات الكبيرة في الإنتاج، والتي قد تتجاوز ضعف الطلب مع انحسار موسم الصيف.

ويرى هؤلاء أن الزيادات المتسارعة في الإنتاج قد تسبق الطلب الفعلي، مما يُنذر بتكدّس المخزونات العالمية مجددا، وهو سيناريو يُعيد إلى الأذهان حالات فائض العرض السابقة.

المخاطر الجيوسياسية تفشل في الحفاظ على ارتفاع الأسعار

في يونيو الماضي، ارتفعت أسعار النفط مؤقتا فوق 80 دولارا للبرميل على خلفية تبادل صاروخي بين إسرائيل وإيران، ما أثار المخاوف من تصعيد إقليمي شامل.

لكن سرعان ما تراجعت الأسعار بعد تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإعلانه عن وقف لإطلاق النار بين طهران وتل أبيب.

ويُظهر هذا التراجع السريع في الأسعار رغم التوترات الجيوسياسية أن الأسواق أصبحت أكثر قدرة على التكيّف، ولا تتأثر إلا إذا وصلت الصراعات إلى مرحلة تهديد مباشر للبنية التحتية النفطية أو تدفق الإمدادات.

ولم تُحدث الحروب والمواجهات مثل النزاع في غزة أو التوترات مع حزب الله تأثيرا فعليا على السوق.

وقد أبرز هذا الارتفاع القصير أن التهديد المباشر لطرق الإمداد أو محطات التصدير وحده كاف لإحداث زيادات مستدامة في الأسعار.

ثبات في الطلب مقابل وفرة في الإمدادات

في الوقت الحالي، لا يزال الطلب على المنتجات المكررة قويا، مدعوما بحركة السفر والنشاط الصناعي، لا سيما في آسيا. ومع ذلك، تشير التوقعات المستقبلية إلى اضطراباتٍ قادمة.

فمع إعادة أوبك+ إنتاج ما يُقدر بـ 2.2 مليون برميل يوميا على مدار العام، قد يتغير التوازن بين العرض والطلب، مما يزيد الضغط على المخزونات العالمية.

اقرأ أيضا.. بـ 2 مليار ريال.. السعودية تطلق أضخم مشروع لتربية الأغنام وإنتاج اللحوم في تاريخها

الرياض تُغامر بثقة لكنها تحتفظ بخيارات التراجع

ويكشف قرار التسعير الجريء للمملكة العربية السعودية، إلى جانب ريادتها في تسريع استعادة إنتاج أوبك+، عن مغامرة محسوبة بأن الطلب الحالي سيستوعب زيادة العرض دون انخفاض الأسعار.

وبينما لا تزال الأسواق حذرة، يبدو أن الرياض تراهن على أن أسوأ مخاوف فائض العرض قد لا تتحقق بالكامل – أو أنها قادرةٌ على تحمل تكاليف إعادة ضبط الإنتاج لاحقًا.

زر الذهاب إلى الأعلى