السويداء تشتعل من جديد.. هل تفجّر فتنة الدروز والبدو حربًا أهلية في سوريا؟

في تطور ميداني خطير، اشتعلت المواجهات والاشتباكات جنوب سوريا بين أبناء الطائفة الدرزية وعشائر البدو، وسط تصاعد حِدَّة العنف وتحذيرات من دخول البلاد في موجة جديدة من الحرب الأهلية ذات الطابع الطائفي والقبلي.
محافظة السويداء، التي كانت لسنوات بمنأى نسبي عن النزاعات المباشرة، باتت اليوم مسرحًا لحالة من العنف والقتال دموي يُهدد السلم الأهلي في عموم سوريا.
تحركات واسعة لعشائر البدو واقتراب من قلب المدينة
أعلنت القبائل العربية في سوريا، يوم الخميس، النفير العام، استجابةً لما وصفته بـ”الاعتداءات الممنهجة” التي طالت أبناءها في محافظة السويداء. وأكدت أن تلك الانتهاكات شملت القتل والتهجير وحرق المنازل، محمّلة المجموعات المسلحة الدرزية المسؤولية عنها.
في المقابل، بدأت قوات العشائر تنفيذ هجوم واسع، حيث سيطرت على عدد من القرى والبلدات المحيطة بمدينة السويداء، وتقدّمت من الجهة الشمالية عبر طريق دمشق، ما جعل المدينة مهددة بشكل مباشر من أكبر حشود عشائرية تشهدها البلاد منذ سنوات.
وبحسب مصادر ميدانية، يشارك في المعارك أكثر من 50 ألف مقاتل من العشائر، بينما ينتظر عشرات الآلاف من المقاتلين تعزيزات قادمة من شرق سوريا ومناطق ريف حلب. وتشير المعطيات إلى مشاركة 41 قبيلة وعشيرة سورية، فضلاً عن استنفار قبائل عربية من العراق والأردن ولبنان، في مشهد يهدد بتحول النزاع المحلي إلى صراع إقليمي مفتوح.
اتهامات متبادلة بعد الاشتباكات في السويداء
شهدت قرى السويداء، يوم الخميس، واحدة من أكثر موجات العنف دموية خلال السنوات الأخيرة. ووفق مصادر قبلية، قُتل أكثر من 100 شخص في هجوم شنّته فصائل درزية مسلحة قيل إنها موالية للشيخ حكمت الهجري. كما تم تهجير الآلاف من منازلهم، وسط تقارير عن حرق ممتلكات مدنية بالكامل.
وفي ظل الغياب الكامل لمؤسسات الدولة، بات المدنيون الحلقة الأضعف في هذا الصراع الذي يُنذر بكارثة إنسانية وشيكة، خاصة أن المنطقة تضم خليطًا قبليًا ودينيًا حساسًا يمكن أن ينفجر بسهولة إذا استمر التصعيد.
موقف رسمي متشدد من دمشق بعد أحداث الاشتباكات في السويداء
الرئاسة السورية خرجت ببيان حاد اللهجة، اتهمت فيه فصائل درزية بـ”خرق اتفاق وقف إطلاق النار”، الذي كان قد تم بموجبه سحب القوات الأمنية من المحافظة بهدف احتواء التوتر.
ووصفت البيان التحركات العسكرية الدرزية بأنها “أعمال خارجة عن القانون” ارتكبت “جرائم مروعة تهدد السلم الأهلي”.
وأكد البيان التزام الدولة بمحاسبة جميع المتورطين “بغض النظر عن انتماءاتهم”، مشددًا على ضرورة بسط سيادة الدولة في السويداء، وعدم التسامح مع أي محاولات لتهديد الأمن والاستقرار.
الشيخ الهجري يدعو إلى ضبط النفس
في خضم هذه الأحداث، خرج الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، بتصريح دعا فيه إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء دعوات العنف والاقتتال.
وأكد الهجري أن “الحل بالحكمة لا بالسلاح”، محمّلاً المسؤولية الكاملة لكل من يشارك في التحريض أو التخريب، داعيًا إلى الحفاظ على وحدة الصف داخل الطائفة وعدم الرد بالمثل.
ورغم تأكيده على الالتزام بروح التسامح، فإن مواقف الشيخ الهجري واجهت انتقادات من بعض الفصائل البدوية التي ترى أن دعواته لا تكفي لوقف ما تصفه بـ”الانتهاكات المتكررة” ضد أبناء العشائر.
أرقام صادمة حول العنف في السويداء
وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ارتفع عدد ضحايا الاشتباكات إلى نحو 600 قتيل حتى مساء الخميس بينهم 275 عنصراً من وزارتي الدفاع والداخلية، و304 من أبناء السويداء، في حصيلة تعكس حجم الكارثة الإنسانية المتصاعدة.
وتنذر هذه الأرقام بانزلاق خطير نحو صراع مفتوح قد يتجاوز السويداء إلى مناطق أخرى، في حال استمرت الاشتباكات وانضمّت إليها أطراف إقليمية أو ميليشيات مسلحة لها ارتباطات عابرة للحدود.
هل تُطفأ نيران الفتنة قبل فوات الأوان؟
وفق تقارير فإن الوضع في السويداء لا يبدو أنه يسير نحو التهدئة، مع استمرار الحشود العشائرية والتصعيد الميداني والتراشق الإعلامي والسياسي.
وفي ظل غياب دور فعّال للوساطات الداخلية أو الدولية، تُطرح تساؤلات حول إمكانية وقف هذه الفتنة التي تهدد بتمزيق النسيج السوري من جديد، بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار.
يبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع الدولة السورية نزع فتيل الأزمة قبل أن تتسع رقعة النيران؟ أم أن البلاد مقبلة على فصل جديد من الفوضى والاقتتال الطائفي الذي لا يُبقي ولا يذر؟
اقرأ أيضًا: النفط مقابل الرواتب.. هل يطوي اتفاق بغداد وأربيل صفحة الصراع بالعراق؟