الصين تتحدى الهيمنة البحرية الأمريكية عبر حاملة الطائرات فوجيان

تدخل الصين مرحلة جديدة في تطورها البحري مع انطلاق التجارب البحرية لحاملة الطائرات الثالثة “فوجيان”، والتي تزن ما يقارب 80 ألف طن، مما يعكس طموح بكين في بناء قوة بحرية قادرة على العمليات بعيدة المدى.

حاملة الطائرات “فوجيان” .. بداية جديدة للقوة البحرية في الصين

تمثل “فوجيان”، التي أُطلقت في 17 يونيو 2022، نقلة نوعية في قدرات بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، حيث تميزها عن سابقاتها بأنها مصممة ومبنية بالكامل محليًا، ما يرسخ طموح بكين في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات العسكرية الثقيلة.

نظام إطلاق كهرومغناطيسي متقدم

تعد “فوجيان” أول حاملة طائرات صينية تستخدم نظام الإقلاع بواسطة المنجنيق الكهرومغناطيسي (EMALS)، ما يتيح إطلاق طائرات أثقل وأكثر تنوعًا مقارنة بمنصات الإقلاع التقليدية، ويقارب أداء حاملات الطائرات الأمريكية الحديثة من فئة “فورد”.

الحاملة التقليدية الأكبر في العالم

بإزاحة تتراوح بين 80 و85 ألف طن، تُعد فوجيان أكبر حاملة طائرات تقليدية في العالم، متجاوزة في حجمها حاملات مثل “شارل ديغول” الفرنسية، وإن كانت لا تزال دون مستوى الدفع النووي لحاملات الولايات المتحدة.

طيران متقدم على سطح البحر

تسمح التكنولوجيا الجديدة على متن “فوجيان” بتشغيل طائرات مثل J-15T المطورة، والمقاتلة الشبحية J-35، إلى جانب طائرات إنذار مبكر من طراز KJ-600، ما يمنح الحاملة قدرة هجومية ودفاعية شاملة في مسارح العمليات البحرية.

منذ إطلاقها، خضعت “فوجيان” لسلسلة من التجارب البحرية، حيث شملت التجربة السابعة في مارس 2025 اختبار أنظمة المقلاع الكهرومغناطيسي وكابلات التوقيف باستخدام مقاتلات بأجنحة ثابتة، وهي خطوة مهمة نحو الجاهزية التشغيلية.

حاملة الطائرات الصين فوجيان
مراحل إنشاء حاملة الطائرات الصينية “فوجيان”

توسع نطاق الإسقاط الجوي الصيني

بفضل سعة الطيران التي تفوق 60 طائرة، تعزز “فوجيان” قدرة الصين على فرض وجودها العسكري في المحيطين الهندي والهادئ، كما تتيح لبكين تنفيذ مهام استطلاع وضربات جوية بعيدة المدى في المناطق المتنازع عليها.

اقتراب الصين من المعايير الأمريكية

يشكل نشر المقاتلة الشبح J-35 على متن “فوجيان” تقدمًا كبيرًا في الطيران البحري الصيني، ويقرب قدراتها من مقاتلة F-35C الأمريكية، معززة بالخصائص الشبحية والأنظمة الإلكترونية المتقدمة.

تعزز طائرة الإنذار المبكر KJ-600 قدرات “فوجيان” في مجالات القيادة والسيطرة والوعي الظرفي، وتعد نظيرًا صينيًا للطائرة الأمريكية E-2D Hawkeye، ما يمنح بكين قدرة إشراف جوي لم تكن متوفرة سابقًا.

تحديات في التشغيل والإتقان

رغم التقدم التقني، تواجه الصين تحديات تتعلق بتدريب الأطقم وتطوير عقيدة تشغيلية متكاملة، وهو ما يستغرق سنوات، ويشكل الفارق الفعلي بين امتلاك التكنولوجيا وإتقان استخدامها بفعالية استراتيجية.

اقرأ أيضاً.. حشد 50 ألف جندي من روسيا وكوريا الشمالية لجبهة خاركيف.. ماذا يحدث؟

حدود الدفع التقليدي وتطلعات نووية

تعتمد “فوجيان” على الدفع التقليدي، ما يحد من مدى انتشارها مقارنة بالحاملات النووية الأمريكية، لكن تقارير تشير إلى أن الصين بدأت فعليًا العمل على حاملة رابعة تعمل بالطاقة النووية.

هدف صيني لامتلاك ست حاملات بحلول 2035

تخطط الصين لامتلاك ست حاملات طائرات بحلول منتصف العقد المقبل، ما سيجعلها ثاني أكبر قوة حاملة للطائرات في العالم بعد الولايات المتحدة، ويمنحها القدرة على العمليات المستدامة عالميًا.

ويعكس تطوير فوجيان جزءًا من استراتيجية متكاملة تشمل مدمرات حديثة (مثل Type 055)، وغواصات نووية، وطائرات بدون طيار، تمهد لبناء مجموعات مهام بحرية متقدمة شبيهة بتلك التي تديرها البحرية الأمريكية.

أداة عسكرية ورمز سياسي

يمثل وجود “فوجيان” في الأسطول الصيني رسالة مزدوجة: فهي أداة لإبراز القوة العسكرية، ورمز سياسي يعكس إصرار بكين على حماية مصالحها البحرية في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.

كما يساهم تطوير قواعد بحرية في جيبوتي واحتمال استخدام موانئ ثنائية الأغراض في المحيط الهندي وأفريقيا في تعزيز قدرة الصين على تنفيذ استراتيجيات منع الوصول/منع التقدم (A2/AD) بعيدًا عن سواحلها.

قلق دولي وتنسيق رباعي مضاد

لم يمر صعود “فوجيان” دون رد فعل، حيث عززت الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا أنشطتها العسكرية المشتركة في المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة التوسع الصيني البحري.

يرى محللون مثل أوريانا سكايلار ماسترو وريك جو أن أهمية فوجيان تكمن ليس فقط في بنيتها التكنولوجية، بل في تحول العقيدة الصينية نحو عمليات بحرية معقدة ومتناسقة تشمل الأقمار الصناعية، والسيبرانية، والطائرات بدون طيار.

يحذر خبراء مثل القبطان المتقاعد كارل شوستر من أن امتلاك التكنولوجيا لا يعني التميز التشغيلي، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة استغرقت عقودًا لبناء عقيدة بحرية متكاملة، وهو تحدٍ ما يزال أمام الصين.

رمز وطني في قلب الاستراتيجية الصينية

تُروّج وسائل الإعلام الصينية لـ”فوجيان” كرمز للاكتفاء الذاتي والتجديد الوطني، وتندرج في إطار رؤية الرئيس شي جين بينغ لتحويل جيش التحرير الشعبي إلى قوة عسكرية عالمية بحلول 2049.

لا تخلو تسمية الحاملة بـ”فوجيان”، وهي المقاطعة المقابلة لتايوان، من رمزية سياسية، حيث تؤكد بكين بذلك ارتباط الحاملة بمطالبها في مضيق تايوان، وترسل رسالة صريحة حول نواياها الاستراتيجية في المنطقة.

الجيل القادم: الطاقة النووية

تشير صور الأقمار الصناعية إلى مشروع صيني جديد لحاملة طائرات رابعة، تعمل بالطاقة النووية، ما سيمثل تحولًا نوعيًا في القدرة الصينية على تنفيذ عمليات عالمية دون قيود الوقود.

اقرأ أيضاً.. صاروخ براهموس.. الهند تدشن أكبر مصنع لإنتاج الأسلحة الروسية على أراضيها

زر الذهاب إلى الأعلى