الفهود العربية بقلب واشنطن.. هوس ترامب في اتفاقية غير متوقعة مع السعودية

في خضم جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ووسط كم هائل من الإعلانات الاقتصادية والاستثمارية، برزت اتفاقية غير تقليدية من حيث الشكل والمضمون.
فقد كشف بيان رسمي للبيت الأبيض، في جملة صغيرة ضمن وثيقة مطولة، عن إنشاء معرض خاص في حديقة الحيوان الوطنية بواشنطن لاستضافة الفهود العربية المهددة بالانقراض، بالتعاون مع الحكومة السعودية.
ويبدو هذا الإعلان للوهلة الأولى تفصيلا ثانويا في زيارة سياسية كبرى، إلا أن تأثيره ليس ضئيلا فهو يحمل دلالات ثقافية وبيئية عميقة، إذ يُمثل خطوة نادرة في التعاون البيئي بين الولايات المتحدة والسعودية، كما يُعيد إحياء دبلوماسية الحيوانات في العلاقات الدولية.
انبهار ترامب بالحيوانات المفترسة
يبدو حماس ترامب للصفقة شخصيا للغاية. ووفقا لبراندي سميث، مديرة حديقة الحيوان الوطنية التابعة لمتحف سميثسونيان، كان ترامب “مهتما جدا بالفهود كنوع”.
وطرح عدة أسئلة محددة حول حجمها ونظامها الغذائي ومستوى خطورتها. ويعكس فضوله نمطا لوحظ طوال مسيرته السياسية – وهو انبهار غريب بأكثر الحيوانات رعبا في عالم الحيوان.
من اقتراح التماسيح في خندق حدودي إلى مناقشة هجمات أسماك القرش مرارا وتكرارا خلال حملته الانتخابية، أبدى ترامب منذ فترة طويلة تقاربا مع الحيوانات التي تهيمن على بيئتها. ومع ذلك، فإن هذا الانبهار الأخير يكتنفه الحفاظ على البيئة والدبلوماسية.
صفقة بيئية تعكس دبلوماسية جديدة
وتم توقيع الاتفاقية في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وفي مشهد يرمز إلى اهتمام غير مألوف من القيادتين.
وقالت سميث إنها لاحظت اهتماما فوريا من الطرفين لحظة طرح الموضوع، مضيفة ” “بمجرد أن قلتُ الفهود، رأيتُ كليهما، لفت انتباههما”.
وتأتي هذه الصفقة في إطار جهود الحفاظ على نوع مهدد بالانقراض لم يُشاهد في البرية السعودية منذ عام 2014، حين نفق آخر فهد بعد تناوله طُعما مسموما.
وتُشير التقديرات إلى وجود أقل من 200 فهد عربي في العالم، منها نحو 120 فقط في البرية.
وستُراعي عملية نقل الفهود إلى واشنطن الاعتبارات الوراثية، إذ سيُختار زوج قادر على التكاثر، في محاولة للحفاظ على السلالة النادرة.
وقد وصفت سميث هذه المبادرة بأنها “واحدة من أهم عمليات التبادل البيئي منذ عقود”، في إشارة إلى ما يعرف بـ”دبلوماسية الباندا” بين الصين وأمريكا في السبعينيات.
الفهد العربي: بين الأسطورة والأناقة
ولا تُعتبر الفهود العربية مجرد كائنات نادرة، بل تمتاز بحضور أسطوري يمتد من الكتابات الدينية إلى أدب الرحلات. فقد وردت إشارات إليها في الكتاب المقدس.
وظهرت في كتابات المستكشفين الأوروبيين، أبرزهم ويلفريد ثيسيجر، الذي وثّق صوت أحدها في جبال الجزيرة العربية.
يتميّز الفهد العربي بجماله وأناقة فرائه المائل إلى ألوان الرمال، وهو ما يُفسّر انجذاب العديد من الأوساط الثقافية إليه.
فقد وصف المستشار السياسي المعروف روجر ستون،الفهود بأنها “أكثر أناقة من الباندا”، مضيفا أنها تستدعي “صورا من عالم الموضة”.
هذا البُعد الجمالي لم يكن غائبًا عن المشهد السياسي؛ فقد ظهرت السيدة الأولى ميلانيا ترامب مؤخرًا بزيّ مرصّع بطبعة جلد الفهد، في مشهد وصفه البعض بأنه جزء من حملة رمزية تُعزز حضور الفهود في الثقافة الشعبية والسياسية على حد سواء.

ملك النمور يُدلي بدلوه
من داخل زنزانته في تكساس، أبدى جوزيف مالدونادو-باساج، المعروف باسم “جو إكزوتيك”، دعمه الصريح للمبادرة. وهو الرجل الذي اشتهر بلقب “ملك النمور” عبر برنامج تلفزيوني شهير، قبل أن يُدان بمحاولة قتل.
رغم القيود المفروضة عليه، طرح مالدونادو-باساج فكرة إنشاء موطن للفهود داخل البيت الأبيض، قائلاً إنه على استعداد شخصي للاعتناء بها في حال حصل على عفو رئاسي.
وأشار إلى امتلاك قادة عالميين كولي عهد دبي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحيوانات مفترسة في ممتلكاتهم الخاصة، متسائلًا: “لماذا لا يكون لترامب فهوده الخاصة؟”.
اقرأ أيضا.. أكبر تغييرات جذرية تعيد رسم ملامح موسم الحج 2025.. إصلاح تاريخي وابتكارات غير مسبوقة
معرض ذو تأثير سياسي وبيئي وثقافي
ويؤكد خبراء الحفاظ على البيئة أن استضافة الفهود العربية في واشنطن لن تكون مجرد خطوة رمزية، بل وسيلة فعّالة لرفع الوعي حول نوع مهدد بالانقراض، وربما فتح الباب أمام برامج إعادة الإكثار وإعادة الإدماج في موائلها الأصلية.
وفي الوقت ذاته، تُعبّر هذه المبادرة عن شكل جديد من الدبلوماسية الثقافية والبيئية التي تتجاوز الخطابات السياسية نحو قضايا تهمّ الإنسانية جمعاء.