المعادن مقابل الحياة.. جماعات مرتبطة بترامب تبتز أفقر دول العالم

كشف تحقيق جديد شامل أن بعضًا من أفقر دول العالم، بما في ذلك الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية واليمن، تدفع ملايين الدولارات لجماعات ضغط وثيقة الصلة بالرئيس دونالد ترامب في محاولة يائسة لتعويض التخفيضات الكبيرة في المساعدات الأمريكية.

مع انهيار التمويل الإنساني، تتخلى هذه الدول الآن عن مواردها الطبيعية الحيوية – بما في ذلك المعادن الرئيسية – مقابل وعد بالدعم الأمريكي.

ترسم النتائج، التي جمعتها منظمة “غلوبال ويتنس” المناصرة، صورة قاتمة لتحولات في موازين القوى وتفاقم مواطن الضعف لدى الدول التي لطالما اعتمدت على المساعدات الأمريكية.

من المساعدات إلى الاستخراج: صفقات يائسة للبقاء

أثار إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) الأسبوع الماضي، عقب قرار ترامب بتفكيكها، مخاوف من عواقب إنسانية كارثية.

يحذر الخبراء من احتمال وقوع أكثر من 14 مليون حالة وفاة كان من الممكن تجنبها خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب فقدان المساعدات، مما يجعل الحصول على الدعم الأمريكي أكثر أهمية وتكلفة من أي وقت مضى.

في غضون ستة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، وقّعت 11 دولة منخفضة الدخل عقود ضغط بقيمة إجمالية 17 مليون دولار مع شركات مرتبطة مباشرة بترامب، وفقًا لملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الأمريكي.

وصفت إميلي ستيوارت، رئيسة قسم سياسات المعادن الانتقالية في منظمة “غلوبال ويتنس”، هذه اللحظة بأنها “عاصفة مثالية” للاستغلال: “قد يصبح إبرام الصفقات في واشنطن أكثر يأسًا وأقل ملاءمة للدول منخفضة الدخل، التي أصبحت أكثر عرضة للاستغلال الوحشي لمواردها الطبيعية”.

المعادن للأغراض العسكرية: العملة الجديدة للجغرافيا السياسية

تُظهر الوثائق أن بعض الدول وقّعت عقودًا متعددة لكسب التأييد، وبرزت جمهورية الكونغو الديمقراطية – وهي دولة تعاني بالفعل من صراعات ونزوح بسبب ثرواتها المعدنية – كنقطة محورية.

في مواجهة تجدد أعمال العنف من جانب المتمردين المدعومين من رواندا، تستعد جمهورية الكونغو الديمقراطية لمنح الشركات الأمريكية امتياز الوصول إلى احتياطياتها الهائلة من الليثيوم والكوبالت والكولتان مقابل دعم عسكري ودبلوماسي أمريكي.

وقّعت جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي كانت سابقًا من بين أكبر 10 دول متلقية لأموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، عقودًا بقيمة 1.2 مليون دولار مع شركة بالارد بارتنرز، وهي شركة ضغط قوية يديرها حليف ترامب القديم، برايان بالارد.

وقّعت الصومال واليمن، وهما أيضًا من أكثر الدول اعتمادًا على المساعدات عالميًا، عقودًا مع BGR Government Affairs بقيمة 550 ألف دولار و372 ألف دولار على التوالي. والجدير بالذكر أن شون دافي، الشريك السابق في BGR، يشغل الآن منصب وزير النقل في حكومة ترامب، مما يزيد من طمس الخطوط الفاصلة بين كسب التأييد وصنع السياسات.

باكستان، الدولة الغنية بالمعادن والتي تعاني من فقر مدقع، لجأت أيضًا إلى جماعات ضغط مرتبطة بترامب، حيث وقعت عقدين بقيمة 450 ألف دولار شهريًا. تشمل الصفقات أعضاءً من الدائرة المقربة لترامب، بمن فيهم حارسه الشخصي السابق كيث شيلر.

الموارد، لا الإغاثة: عصر جديد من المساومة

مع توجيه إدارة ترامب أولويات الولايات المتحدة نحو تأمين المعادن الأرضية النادرة والموانئ الاستراتيجية، تُجبر الدول الغنية بالموارد، وإن كانت فقيرة، بشكل متزايد على مقايضة الوصول إلى الأصول الحيوية بضمانات إنسانية أو أمنية أساسية.

أصبحت العناصر الأرضية النادرة، الحيوية للأمن القومي الأمريكي والصناعات التكنولوجية، محط تركيز خاص في ظل هيمنة الصين على سلاسل التوريد العالمية التي تُثير قلق واشنطن.

تفيد التقارير بأن دولًا أخرى تعرض على الولايات المتحدة وصولًا حصريًا إلى الموانئ والمنشآت العسكرية أو حقوق التعدين على أمل الحفاظ على رضا واشنطن.

أقرا أيضا.. يأس في غزة.. رواية جراح من آخر مستشفى: مستعدون للموت من أجل كيس أرز

مخاوف بشأن الشفافية والاستغلال

تُحذّر منظمة “الشاهد العالمي” من أنه على الرغم من أن الضغط السياسي سمة راسخة في السياسة الدولية، إلا أن البيئة الحالية تُشكّل مخاطر فريدة على أفقر دول العالم.

تُحذّر ستيوارت قائلةً: “نشهد انخفاضًا حادًا في المساعدات، مصحوبًا بتهافت واضح على المعادن الأساسية، واستعداد إدارة ترامب لعقد صفقات مقابل مساعدات أو دعم عسكري”.

وتُضيف: “يجب أن يكون إبرام الصفقات شفافًا وعادلاً. من الضروري إدراك دور المساعدات الدولية في جعل العالم أكثر أمانًا للجميع، وأن تحتفظ المساعدات بدورها المتميز بعيدًا عن التجارة”.

المخاطر الإنسانية أعلى من أي وقت مضى

مع إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتحول الحاد في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، يقول المدافعون إن الملايين تُركوا تحت رحمة نظام عالمي تُقايض فيه المساعدات الأساسية بالموارد، بدلًا من توزيعها بناءً على الحاجة. ويُحذّرون من أن العواقب قد تكون كارثية – ليس فقط على الفئات السكانية الضعيفة، بل على الاستقرار العالمي أيضًا.

زر الذهاب إلى الأعلى