النفط مقابل الرواتب.. هل تهدد الأزمة بين بغداد وأربيل استقرار العراق؟
تشهد العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل توترًا متجددًا، بعدما قرر رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، ربط صرف رواتب موظفي الإقليم بتسليم النفط الخام إلى شركة “سومو”، في خطوة أثارت جدلاً سياسيًا واسعًا، وأعادت إلى الواجهة واحدة من أقدم الإشكالات بين الطرفين.
وبحسب وسائل إعلام عراقية، أعلنت مصادر رسمية أن الحكومة العراقية وافقت على صرف رواتب شهر مايو الماضي، عقب إيداع إيرادات غير نفطية بقيمة 120 مليار دينار من قبل حكومة الإقليم في حساب وزارة المالية الاتحادية.
الرواتب مقابل النفط
غير أن رواتب يونيو تم ربطها بتسليم 230 ألف برميل يوميًا من النفط الخام إلى شركة التسويق الوطنية “سومو”، ما عُدّ شرطًا سياسياً أكثر منه تقنيًا.
وترى بغداد أن إدارة الثروات النفطية ينبغي أن تكون حصرية بيد الحكومة الاتحادية، بما يشمل حقول الإقليم، وهو ما ترفضه قوى كردية ترى في ذلك مساسًا بصلاحيات الإقليم المالية والدستورية.
لجنة من بغداد في كردستان
بالتزامن مع قرار السوداني، تتحرك لجنة فنية من العاصمة إلى كردستان لتقييم الأضرار الناتجة عن الهجمات بالطائرات المسيّرة، التي طالت منشآت نفطية وتسببت في خفض الإنتاج إلى نحو 80 ألف برميل يوميًا.
وتعتقد الحكومة العراقية أن بالإمكان إعادة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية خلال أسبوعين، وهو ما يشكل ضغطًا مباشرًا على حكومة الإقليم لاستئناف الضخ وفق الاتفاق الأخير.
موقف الإطار التنسيقي من رواتب كردستان
في تطور سياسي، دعا “الإطار التنسيقي” المكوّن من عدة كتل شيعية رئيس الحكومة إلى صرف رواتب كردستان دون تأخير، خلال اجتماع عقد مطلع الأسبوع. وجاء ذلك استجابةً لمطالب متصاعدة من داخل الإقليم بضرورة الفصل بين الملفات المالية والسياسية.
أعلن رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، عن اتفاق مع بغداد يتضمن تسليم 230 ألف برميل من النفط الخام يوميًا، إضافة إلى تخصيص 50 ألف برميل للاستهلاك المحلي، مقابل دفع الرواتب.
كما ينص الاتفاق على تحويل 120 مليار دينار شهريًا من الإيرادات غير النفطية إلى وزارة المالية الاتحادية.
لكن مراقبين يعتبرون أن الاتفاق لا يرقى إلى حل دائم، بل يمثل معالجة مؤقتة قد تنهار في أي لحظة، في ظل غياب قانون اتحادي ينظم العلاقة النفطية بين بغداد وأربيل وفق الدستور.
رواتب متأخرة واحتجاجات متصاعدة
تأخرت الرواتب في كردستان لأكثر من 70 يومًا، ما فاقم الأزمة الاقتصادية وأشعل حالة من الغضب الشعبي. وهددت بعض القوى السياسية في الإقليم بالانسحاب من الحكومة الاتحادية أو مقاطعة الانتخابات المقبلة، في حال استمر “الابتزاز المالي”، بحسب تعبيرهم.
في المقابل، تؤكد الحكومة العراقية أنها ملتزمة بتأمين حقوق جميع الموظفين، لكنها تشدد على ضرورة الالتزام بالاتفاقات النفطية والمحاسبة المالية.
استقرار العراق على المحك
في ظل هذه الأجواء، يظل استقرار العراق مرهونًا بتفاهمات حقيقية بين المركز والإقليم. فسياسة “النفط مقابل الرواتب” لا تمثل حلًا دائمًا، بل تعمق الشروخ السياسية وتؤخر فرص بناء شراكة دستورية قائمة على توزيع عادل للثروات.
ويرى مراقبون أن المخرج الحقيقي يكمن في تشريع قانون النفط والغاز المؤجل منذ سنوات، وإنهاء حالة التحاسب والاشتراطات المتبادلة التي أرهقت المواطن العراقي، سواء في كردستان أو في باقي المحافظات.
اقرأ أيضا
انتخابات العراق.. هل يخطط الصدر لعودة غير متوقعة تُربك حسابات الإطار التنسيقي؟