النفط مقابل الرواتب.. هل يطوي اتفاق بغداد وأربيل صفحة الصراع بالعراق؟

في خطوة لافتة قد تُعيد رسم ملامح العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، أعلنت الحكومة العراقية، الخميس، التوصل إلى اتفاق رسمي يقضي باستئناف تصدير النفط من الإقليم عبر شركة تسويق النفط العراقية “سومو”، بعد توقف استمر أكثر من عامين.
وتأتي هذه الخطوة وسط توترات أمنية متصاعدة في الإقليم، إثر هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت منشآت نفطية، ما زاد الضغوط على حكومة محمد شياع السوداني، وفتح الباب لتساؤلات حول مدى قدرة بغداد على حماية البنى التحتية والسيادة في المناطق الكردية.
اتفاق نفطي بين كردستان وبغداد
ينص الاتفاق الجديد على أن تبدأ حكومة إقليم كردستان فوراً بتسليم كامل إنتاجها النفطي إلى شركة “سومو” لغرض التصدير، على ألا تقل الكميات المسلّمة عن 230 ألف برميل يومياً، مع إمكانية إضافة أي زيادات مستقبلية في الإنتاج.
وفي المقابل، تلتزم وزارة المالية الاتحادية بتحويل سلفة مالية بقيمة 16 دولاراً عن كل برميل يتم تسويقه، كما تم تخصيص 50 ألف برميل يومياً للاستهلاك المحلي داخل الإقليم.
وتأمل حكومة أربيل أن يؤدي الاتفاق إلى انفراجة في ملف الرواتب، الذي شكل أحد أكثر الملفات حساسية خلال السنوات الماضية.
وفي بيان رسمي، أكدت حكومة الإقليم أنها “تنتظر من الحكومة الاتحادية تحويل الرواتب والمستحقات المالية”، داعية إلى “فصل قضية الرواتب باعتبارها حقوقاً مشروعة، عن أي خلافات سياسية أو قانونية”.
الأزمة المالية والملف النفطي في العراق
يشكل ملف تصدير النفط نقطة التقاء حادة بين بغداد وأربيل منذ أكثر من عقد، حيث دأبت حكومة الإقليم على تصدير الخام بشكل مستقل عبر تركيا، دون موافقة الحكومة المركزية، وهو ما اعتبرته بغداد انتهاكاً دستورياً.
وبلغت صادرات الإقليم عبر ميناء جيهان التركي نحو 450 ألف برميل يومياً قبل أن تصدر هيئة التحكيم الدولية في باريس قراراً في مارس 2023 بوقف التصدير غير الشرعي، ما فاقم الأزمة المالية في الإقليم، وأدى إلى تأخر دفع رواتب الموظفين لأشهر متتالية.
الاتفاق الجديد، رغم أنه لا يلغي جذور الخلاف، إلا أنه يعكس تحوّلاً في التوجه السياسي لدى الطرفين، خاصة في ظل الضغوط الشعبية المتزايدة في كردستان نتيجة تأخر صرف الرواتب، وضعف الخدمات، والتوترات الأمنية الناتجة عن استهداف منشآت اقتصادية استراتيجية.
الطائرات المسيّرة تضع الاتفاق على المحك
بالتزامن مع توقيع الاتفاق، تعرض أحد الحقول النفطية في منطقة زاخو شمال الإقليم، تُديره شركة نرويجية، لهجوم بطائرة مسيّرة مفخخة، في تكرار لهجمات مشابهة خلال الأسابيع الأخيرة استهدفت منشآت نفطية تديرها شركات أجنبية.
ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات، إلا أن مسؤولاً كردياً، رفض الكشف عن اسمه، اتهم بشكل مباشر فصائل تابعة لـ”الحشد الشعبي” بالوقوف خلفها، قائلاً: “نحمّل الحكومة العراقية المسؤولية لأنها تموّل هذه الجماعات التي تهاجم البنية التحتية في كردستان”.
ورغم وعود بغداد بفتح تحقيقات سريعة لكشف هوية المنفذين، فإن الشكوك حول إمكانية تنفيذ بنود الاتفاق بشكل مستقر تزداد، خصوصاً مع استمرار التهديدات التي تطال أمن شركات الطاقة الأجنبية العاملة في الإقليم.
لجنة مشتركة لضبط الإنفاق ومراقبة الالتزامات
الاتفاق شمل أيضاً بُعداً مالياً مهماً، تمثل في تشكيل لجنة مشتركة بين بغداد وأربيل لحساب التجاوزات في حصة الإقليم من الإنفاق الفعلي، بموجب قانون الموازنة العامة للأعوام 2023، 2024، و2025.
ومن المقرر أن ترفع اللجنة تقريرها النهائي خلال أسبوعين إلى مجلس الوزراء الاتحادي، ما قد يسهم في ضبط آلية الإنفاق ومنع تكرار الخلافات المالية المستقبلية.
هل يصمد الاتفاق أمام التجاذبات؟
رغم الترحيب الظاهري من الجانبين، لا يزال الاتفاق محاطاً بتحديات سياسية وأمنية معقدة. ففي حين تعتبر بغداد أن الاتفاق يعيد تأكيد سيادتها على الموارد الوطنية، ترى أربيل أن تنفيذ الالتزامات المالية يمثل اختباراً لمصداقية الحكومة الاتحادية، التي طالما ربطت تحويل الرواتب والتمويل بتسليم النفط.
كما أن تزامن الاتفاق مع تصعيد أمني في الإقليم يثير التساؤلات حول دوافع التوقيت، وإن كان الاتفاق يأتي كاستجابة لضغوط أمريكية وغربية لتأمين مصالح شركات الطاقة، أم أنه محاولة داخلية لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد في الشارع الكردي.
النفط مقابل الرواتب
وفق مراقبون يبقى الاتفاق الأخير خطوة مهمة نحو تهدئة العلاقة بين بغداد وأربيل، لكنه لا يشكل بالضرورة نهاية للصراع. فطالما لم تُحل الخلافات الدستورية المتعلقة بإدارة الموارد الطبيعية، وطالما استمرت التهديدات الأمنية دون ردع حقيقي، ستظل العلاقة بين الطرفين محكومة بالمعادلات المؤقتة والاتفاقات الهشة.
ويبقى السؤال: هل يكفي هذا الاتفاق لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين المركز والإقليم؟ أم أنه مجرد هدنة اقتصادية مؤقتة سرعان ما تتهاوى تحت أول اختبار سياسي أو أمني؟
اقرأ أيضا.. سلام أردوغان مع الأكراد يشعل تركيا.. هل يتصدّع تحالف السلطة؟