النفط يقفز عند 81 دولارا.. ومضيق هرمز يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية

تشهد أسواق النفط العالمية موجة غير مسبوقة من التقلبات على خلفية الضربة الأمريكية الأخيرة على منشآت إيرانية، وتصاعد الحديث عن احتمال إغلاق مضيق هرمز، وهو الشريان الحيوي الذي تمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمية.
وقد أطلقت هذه المستجدات الجيوسياسية العنان لموجة ارتفاع جديدة في أسعار النفط، مع مخاوف متزايدة من نشوب صراع إقليمي واسع قد يعيد الاقتصاد العالمي إلى مربع الخطر.
النفط يتجاوز 81 دولاراً.. وأسواق الطاقة في حالة تأهب
قفزت أسعار خام برنت إلى 81 دولاراً للبرميل مع بداية تداولات الأسبوع، قبل أن تتراجع بشكل طفيف إلى 79.6 دولار، بينما ارتفعت عقود الخام الأمريكي إلى 76.73 دولار.
وجاءت هذه القفزة بنسبة 5% كرد فعل مباشر على الضربة الأمريكية، واحتمالات الرد الإيراني عبر إغلاق المضيق، وهو ما عزز من مخاوف الأسواق بشأن أمن الإمدادات النفطية العالمية.
وبينما عكست هذه التحركات حساسية الأسواق تجاه التوترات في الشرق الأوسط، فقد أظهرت أيضا هشاشة منظومة الطاقة العالمية في مواجهة الأزمات الجيوسياسية المتلاحقة.
الذهب يرتفع.. والمستثمرون يبحثون عن ملاذات آمنة
ولم يقتصر تأثير التوترات على النفط فحسب، بل طال أيضا أسواق المعادن، حيث ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 0.5% لتصل إلى 3385 دولاراً للأونصة، في دلالة واضحة على تزايد الطلب على الملاذات الآمنة، في ظل القلق المتصاعد من اندلاع نزاع أوسع قد ينعكس سلبا على استقرار الاقتصاد العالمي.
مضيق هرمز.. نقطة الاختناق الأخطر في سوق الطاقة
ويلعب مضيق هرمز دورا محوريا في تجارة الطاقة العالمية، ويمر عبره ما يقرب من ثلث صادرات النفط المنقولة بحرا. وتستخدمه قطر لتصدير غازها الطبيعي المسال، حيث لا يوجد بديل عملي لهذا الممر البحري، ما يجعل أي تهديد بإغلاقه بمثابة زلزال للأسواق العالمية.
وبحسب تقديرات “بلومبرج إيكونوميكس”، فإن أي تعطيل للمضيق قد يدفع بأسعار النفط إلى تجاوز حاجز 130 دولاراً للبرميل، كما قد يؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الغاز في أوروبا، نظراً لضيق سوق الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
خبراء: التوترات تمثل صدمة سلبية جديدة للاقتصاد العالمي
ويرى بن ماي، مدير أبحاث الاقتصاد الكلي في أوكسفورد إيكونوميكس، أن الأزمة الحالية تمثل “صدمة سلبية أخرى للاقتصاد العالمي الضعيف أصلاً”، مشيراً إلى أن “ارتفاع أسعار النفط وما يصاحبه من تضخم سيشكّل تحدياً كبيراً للبنوك المركزية في محاولة موازنة سياستها النقدية”.
كما أشار إلى أن مثل هذه الأزمات قد تقوّض محاولات التعافي من تبعات التضخم الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية والاضطرابات الاقتصادية العالمية الأخرى.
الخلاف بين المحللين.. هل الأزمة مؤقتة أم طويلة الأمد؟
ورغم القلق السائد، إلا أن بعض المحللين يخففون من وقع التهديد الإيراني. إذ يؤكد هينادي ريابسيف، خبير سوق الطاقة، أن تأثير إغلاق مضيق هرمز – في حال حدوثه – سيكون قصير الأجل. ويعتقد أن السوق ستتكيف مع الوضع سريعا، خاصة إذا لم يتبع التهديد تصعيد فعلي من قبل إيران.
وقال ريابسيف: “المضاربة ستقود لارتفاع مؤقت في الأسعار، لكن مع مرور الوقت وتراجع التوتر، من المرجح أن تعود الأسعار للاستقرار”.
اقرأ أيضا.. أجواء ما بعد الضربة الأمريكية.. التوتر يجبر شركات الطيران على تعليق رحلاتها إلى الخليج
السيناريوهات المحتملة.. هل نقترب من ذروة تاريخية جديدة؟
ومنذ منتصف يونيو، ارتفعت أسعار خام برنت بأكثر من 10%، وهو ما يعكس حساسية السوق تجاه تطورات الشرق الأوسط. وإذا تصاعدت الأزمة أكثر، قد تعود السوق إلى مستويات لم تشهدها منذ يوليو 2008، عندما بلغ سعر النفط 147.5 دولاراً للبرميل، وهو أعلى سعر تاريخي مسجل حتى الآن.
ورغم أن منظمة “أوبك+” تمتلك طاقة احتياطية يمكن استغلالها للتهدئة، إضافة إلى إمكانية تدخل وكالة الطاقة الدولية عبر إطلاق مخزونات طوارئ، إلا أن استمرار التهديد بإغلاق مضيق هرمز سيبقي الأسعار مرتفعة ويضع ضغوطا هائلة على الاقتصادات المستوردة للطاقة.
ويبقى مستقبل أسعار النفط رهنا بتطورات المشهد السياسي والعسكري في منطقة الخليج. وبينما يلوح شبح الإغلاق الفعلي لمضيق هرمز في الأفق، فإن التحدي الأكبر أمام العالم ليس فقط في مواجهة أزمة نفطية محتملة، بل في كيفية تجنّب انفجار جيوسياسي قد يعيد رسم خريطة الطاقة والاقتصاد العالمي برمته.