السويداء على الحافة.. هل وُلد أول كيان سوري مستقل ؟
تعيش محافظة السويداء السورية مرحلة فارقة من تاريخها السياسي، بعد تسريب وثيقة تتضمن بنود اتفاق غير معلن بين الفصائل الدرزية المحلية والحكومة الإسرائيلية، برعاية مباشرة من الجانب الأمريكي. ويبدو أن الاتفاق يمهد لتحولات كبرى على الأرض، تهدد بفرض نموذج شبه مستقل في الجنوب السوري، وتعيد خلط الأوراق الإقليمية.
7 بنود تعيد رسم الخريطة جنوب سوريا
بحسب التسريبات التي نشرها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تضمّن الاتفاق البنود التالية:
1.نقل ملف السويداء بالكامل إلى الإدارة الأمريكية، التي ستتولى متابعة التنفيذ وضمان الالتزام.
2.انسحاب قوات الأمن السورية والعشائر الموالية للنظام إلى ما بعد القرى ذات الغالبية الدرزية.
3.تفويض الفصائل الدرزية بمهمة تمشيط المنطقة لضمان خلوها من أي وجود للنظام أو حلفائه.
4.تشكيل مجالس محلية من أبناء السويداء لتولي تقديم الخدمات اليومية للسكان.
5.إنشاء لجنة لتوثيق الانتهاكات وتقديم تقارير دورية إلى الجانب الأمريكي مباشرة.
6.نزع السلاح من محافظتي القنيطرة ودرعا، على أن تُشكَّل لجان أمنية محلية دون أسلحة ثقيلة.
7.منع دخول المؤسسات التابعة للحكومة السورية إلى السويداء، مع السماح فقط بوجود منظمات الأمم المتحدة.
السويداء في قلب كارثة إنسانية دامية
جاء هذا الاتفاق بعد أشهر دامية عاشتها محافظة السويداء، حيث تعرض أبناء الطائفة الدرزية لسلسلة من الانتهاكات غير المسبوقة، شملت القتل والتنكيل والتهجير والإذلال الممنهج.
ففي أبريل ومايو 2025، وقعت موجة عنف غير مسبوقة بين الفصائل الدرزية من جهة، وقوات الأمن والعشائر الموالية للنظام من جهة أخرى، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 298 مدنيًا و427 مقاتلًا درزيًا، بينهم 194 حالة إعدام ميداني موثقة، وفقًا لتقارير ميدانية محلية ودولية.
وتداولت وسائل إعلام ومواقع حقوقية مقاطع مصوّرة تُظهر حلق شوارب رجال دروز كبار السن بالقوة، في مشهد يُعد إهانة صريحة للرمز الديني والكرامة المجتمعية للطائفة، كما أفادت تقارير بحرق منازل ونهب ممتلكات وتنكيل بالأسر داخل المناطق ذات الغالبية الدرزية.
بلغت ذروة المأساة في يوليو 2025، حين اندلعت اشتباكات عنيفة مجددًا بين فصائل درزية وعشائر مسلحة في ريف السويداء، وتجاوز عدد القتلى في أسبوع واحد حاجز 1100 قتيل، وتعرضت قرى درزية لهجمات شرسة خلفت عشرات القتلى من المدنيين، بينهم الأسرة السورية الأمريكية لعائلة “سرايا” التي أُعدمت بالكامل على يد جماعة مسلحة في ساحة عامة، وسط تنديد أمريكي رسمي.
وبحسب تقديرات حقوقية، فإن أكثر من 128 ألف شخص نزحوا من منازلهم داخل السويداء وريف دمشق خلال الأشهر الماضية، وسط غياب تام لأي استجابة أممية فعلية.
إدارة محلية تحت مظلة دولية
تشير بنود الاتفاق إلى نية واضحة لإرساء إدارة محلية منفصلة عن مؤسسات الدولة السورية، تتمتع بغطاء أمريكي غير مباشر، وتُدار من قبل أبناء المنطقة، في وقت تُمنع فيه أي جهة حكومية من التواجد داخل السويداء، ما يرسخ وضعًا فعليًا من الحكم الذاتي.
أهداف إسرائيل واضحة في الجنوب
تظهر المصالح الإسرائيلية بوضوح في سياق هذا الاتفاق، لا سيما في ما يتعلق بإخراج الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري، وتفكيك البنية الأمنية التابعة للنظام في القنيطرة والمناطق القريبة من الجولان المحتل. كما يسمح الاتفاق لتل أبيب بتأمين شريط حدودي خالٍ من التهديدات، دون أن تنخرط مباشرة في عمليات قتالية، وهو ما يشكل مكسبًا استراتيجيًا لإسرائيل بأقل تكلفة سياسية وعسكرية
واشنطن تعيد هندسة الجنوب السوري
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الاتفاق يعكس تحولًا جديدًا في خريطة النفوذ داخل سوريا، حيث تسعى واشنطن لتوسيع سيطرتها غير المباشرة على الجنوب انطلاقًا من محيط قاعدة التنف، وتحجيم الدورين الروسي والإيراني في المحافظات الحدودية. كما يمنحها الاتفاق ورقة ضغط إضافية في أي مسار سياسي قادم حول مستقبل سوريا، ويمنحها موطئ قدم داخل مجتمع درزي لطالما حاولت إسرائيل استقطابه سياسيًا وأمنيًا.
نحو نموذج انفصال ناعم؟
رغم أن الفصائل الدرزية لم تُعلن رسميًا رغبتها في الانفصال عن الدولة، إلا أن تنفيذ بنود الاتفاق يرسّخ عمليًا فصلًا إداريًا وأمنيًا شبه كامل عن سلطة دمشق، ويمنح السويداء وضعًا خاصًا يشبه الحكم الذاتي من دون إعلان دستوري أو قانوني. ومع الترتيبات الأمنية القائمة والدعم السياسي الأميركي، تصبح السويداء أول محافظة سورية تُدار فعليًا خارج سلطة الدولة، وسط قبول دولي ورضا إقليمي نسبي.
النهاية قد تكون بداية
ما جرى في السويداء لا يُختزل في اتفاق سري أو مواجهات دموية، بل يُمكن قراءته كبداية لمرحلة جديدة من إعادة رسم الجغرافيا السياسية في الجنوب السوري، في ظل تفكك السلطة المركزية، وانكفاء النظام، وتدخل مباشر لقوى إقليمية ودولية في قلب الخارطة السورية.
اقرأ أيضا: رغم تساوي الإنتاج.. لماذا تنفق مصر 30 مليار دولار على الضبعة النووية مقابل 2.5 مليار لمحطة سيمنس؟