انقلاب سياسي أم انحناء للعاصفة.. ماذا وراء استراتيجية حزب الله الجديدة؟

يعيش حزب الله اللبناني لحظة سياسية داخلية غير مسبوقة، وسط ما يشبه الانقلاب التنظيمي الصامت خاصة بعد إعلان الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، عن بدء مراجعة استراتيجية شاملة، رافقتها ورشة تنظيمية وتهيئة لحراك سياسي واسع.

وأعلن نعيم قاسم أن الحزب يستعد لإطلاق حراك سياسي واسع خلال الأسابيع المقبلة، يترافق مع تشكيل لجان مختصة لدراسة استراتيجيات العمل للمرحلة المقبلة، وتوزيع المهام والأدوار داخل هيكلية الحزب.

هذه التصريحات، التي جاءت خلال مقابلة تلفزيونية، تزامنت مع تصعيد الضغوط المحلية والدولية على الحزب، ما فسّره مراقبون بأنه محاولة لتهيئة القاعدة والجمهور نحو تحول تدريجي في طبيعة الحزب ودوره.

حزب الله من السلاح إلى السياسة

يعتقد خبراء  أن «حزب الله» بصدد تقديم نفسه كطرف سياسي لبناني في المقام الأول، خصوصاً مع تصاعد الحديث عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، والجمود في ملف تشكيل السلطة.

ويشير محللون إلى أن الحزب بدأ فعلياً بإعادة صياغة خطابه الداخلي، عبر ترجيح الكفّة السياسية على العسكرية، دون أن يصل إلى حدود التخلي العلني عن سلاحه.

وبحسب هؤلاء، فإن الحديث عن «الجناح العسكري المقاوم» لم يعد يحتل المساحة المركزية في الخطاب الرسمي، كما في السابق، بل أفسح المجال لتركيز أكبر على ملفات داخلية، وشؤون حياتية، وملفات تحالفية.

حزب الله وترميم التحالفات السياسية

في هذا السياق، يسعى الحزب إلى إعادة بناء علاقاته مع قوى كانت تاريخياً حليفة له، وعلى رأسها «التيار الوطني الحر». لكن مراقبين يؤكدون أن العلاقة على مستوى القيادات لا تزال مجمّدة، في حين يستمر التنسيق المحدود بين النواب في البرلمان.

وفي موازاة ذلك، يعمل حزب الله على فتح قنوات اتصال جديدة مع بعض الأطراف المعارضة له، مثل حزب «الكتائب»، حيث أشار قاسم إلى حصول لقاءات متقطعة «تحت الهواء». أما العلاقة مع «القوات اللبنانية» فتبدو في حالة قطيعة تامة، إذ يواصل كل طرف اتهام الآخر بتقويض مشروع الدولة.

ويشير مراقبون إلى أن الحزب يسعى من خلال هذا الحراك إلى تمهيد الأرضية السياسية لتوسيع شبكة تحالفاته، أو على الأقل تخفيف حدة العزلة التي يعانيها داخل بعض الأوساط المسيحية والسنية.

تشكيك في نوايا حزب الله

رغم ما سبق، لا يرى معظم الخبراء أن ما يحدث داخل «حزب الله» يمثّل تحوّلاً جذرياً في طبيعته. ويؤكد محللون أن الحزب لا يزال يحتفظ ببنيته العسكرية كاملة، ويقدّم نفسه كمكوّن مقاوم ضمن ما يسميه «الاستراتيجية الدفاعية الوطنية».

ويذهب بعض المراقبين أبعد من ذلك، معتبرين أن ما يجري هو مجرد إعادة تموضع تكتيكي يهدف إلى امتصاص الضغوط وتخفيف العزلة، لا أكثر. ويشير هؤلاء إلى أن أي تحوّل حقيقي سيتطلب خطوات عملية، تبدأ بإخضاع السلاح للسلطة الشرعية، وهو ما لم يظهر حتى اللحظة.

مناورات سياسية وتحولات إقليمية

تتزامن هذه المراجعة داخل «حزب الله» مع تغيّرات جيوسياسية في المنطقة، أبرزها الانفتاح الإيراني على بعض الدول الخليجية، وإعادة ترتيب المحاور الإقليمية، فضلاً عن الدور المتنامي للوساطات الدولية في الملف اللبناني.

ويرى محللون أن الحزب يحاول التكيّف مع هذه التحوّلات عبر إعادة صياغة صورته، وتقديم نفسه كطرف لبناني «طبيعي» يمكن التعامل معه ضمن المؤسسات.

 حزب الله ما بين خطاب التهدئة واختبار الأفعال

تبقى كل هذه المؤشرات رهن الأفعال لا الأقوال. فالسؤال الأساسي لا يزال قائماً: هل ستشهد المرحلة المقبلة تفكيكاً تدريجياً للجناح العسكري؟

أم أن الحزب سيكتفي بتحسين صورته سياسياً دون أي تغيير جوهري في بنيته؟ الجواب سيتحدد على ضوء التطورات الداخلية والإقليمية، وفي مدى قدرة الحزب على تقديم تنازلات حقيقية في ملف السلاح والسيادة الوطنية.

اقرا أيضا.. منطقة فرنسية تتحول إلى دولة… ماذا يحدث في كاليدونيا الجديدة؟

زر الذهاب إلى الأعلى