باكستان تقاضي الهند دوليًا بسبب تعليق معاهدة مياه السند
عقب اشتباكات محدودة بين الجارتين النوويتين..

أعلنت السلطات الباكستانية أنها ستشرع في مقاضاة الهند، عقب قيام الأخيرة بتعليق معاهدة مياه السند، حيث تتزايد حدة التوترات بين الهند وباكستان في أعقاب اشتباكات محدودة شهدتها الحدود المشتركة، فيما تبادل الطرفان إطلاق نار لليلة الرابعة على التوالي.
يأتي ذلك بينما تكثف السلطات الهندية عمليات البحث عن ثلاثة مسلحين مشتبه بهم في تنفيذ هجوم مروع استهدف منتجع “بهلغام” السياحي في الشطر الهندي من كشمير، وأسفر عن مقتل 26 سائحًا هنديًا.
وذكرت وكالة “رويترز” نقلًا عن السلطات الهندية، أن القوات الهندية ردت على ما وصفته بـ”إطلاق نار غير مبرر” من الجانب الباكستاني.
وتُعد هذه الحادثة واحدة من أسوأ الهجمات في الإقليم المتنازع عليه منذ سنوات.
اتهامات هندية يقابلها نفي باكستاني
رغم عدم تبني أي جهة مسؤولية الهجوم، إلا أن نيودلهي سارعت باتهام إسلام آباد بالضلوع في التخطيط والتنفيذ للهجوم، وهو ما نفته باكستان بشكل قاطع.
وتصر الأخيرة على عدم وجود أي صلة لها بالمسلحين، متهمة الهند بمحاولة تصدير أزمتها الأمنية إلى الخارج.
وفي سياق التصعيد، أعلنت الهند تعليق العمل بـ معاهدة مياه نهر السند التي ترعاها دوليًا، ما أثار غضب باكستان التي وصفت القرار بأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
إسلام آباد تلوّح بالتصعيد القانوني الدولي بسبب معاهدة مياه السند
أعلنت الحكومة الباكستانية، على لسان وزير القانون والعدل “عقيل مالك”، أنها تستعد لتصعيد القضية دوليًا، ردًا على ما تعتبره خرقًا للاتفاقيات الدولية من جانب الهند.
وأكد مالك، في تصريحات لوكالة “رويترز”، أن إسلام آباد تدرس اتخاذ ثلاث خطوات قانونية محتملة لمواجهة قرار تعليق معاهدة مياه السند.
وقال الوزير: “نحن في المراحل النهائية من صياغة استراتيجية قانونية شاملة، ومن المرجح أن نلجأ إلى أكثر من جهة قانونية دولية في الوقت ذاته”.
خيارات قانونية متعددة.. والبنك الدولي في الصورة
أوضح مالك أن الخيارات المطروحة تشمل إثارة القضية أمام البنك الدولي، الذي كان قد توسط في توقيع المعاهدة عام 1960، إلى جانب إمكانية اللجوء إلى محكمة التحكيم الدائمة، ومحكمة العدل الدولية في لاهاي.
وتعتزم باكستان الترافع استنادًا إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، التي تنظم التزامات الدول تجاه الاتفاقيات الثنائية.
ورغم الاستعداد الباكستاني القانوني، لم تُصدر السلطات الهندية المختصة بشؤون الموارد المائية أي تعليق رسمي حتى الآن على التحركات القضائية المرتقبة.
معاهدة مياه السند.. حجر أساس في العلاقات بين الهند وباكستان
تُعد معاهدة مياه نهر السند من أقدم الاتفاقيات الدولية الخاصة بتقاسم الموارد المائية، وقد وُقّعت برعاية البنك الدولي عام 1960 بين الهند وباكستان.
وتضمنت المعاهدة آلية لتقاسم مياه ستة أنهار رئيسية تنبع من جبال الهيمالايا، وتشكل شريانًا مائيًا بالغ الأهمية للبلدين.
وبموجب الاتفاق، حصلت الهند على حق الاستخدام الحصري للأنهار الشرقية، وهي “رافي”، و”بياس”، و”ستلج”، بينما حصلت باكستان على حق الاستخدام الكامل للأنهار الغربية، وعلى رأسها نهر السند، الذي يمثل المصدر الأساسي لنحو 80% من احتياجات باكستان الزراعية والمائية.
ورغم خوض الهند وباكستان ثلاث حروب كبرى، إلا أن هذه المعاهدة بقيت صامدة، وشكلت نقطة ارتكاز للتنسيق المائي بين الطرفين، حتى في أشد لحظات التوتر.
معاهدة مياه السند في مهب الريح.. والمخاطر الإقليمية تتصاعد
قرار الهند الأخير بتعليق المعاهدة يشكل سابقة خطيرة، إذ أنه يهدد استقرار أحد الأعمدة القليلة المتبقية في العلاقات الثنائية.
كما أن الخطوة قد تؤدي إلى تفاقم أزمة المياه في باكستان، خاصة في ظل التغيرات المناخية المتسارعة التي تؤثر على معدلات هطول الأمطار والجريان السطحي للأنهار.
وفي الوقت الذي تعاني فيه الهند أيضًا من أزمات مائية داخلية، فإن تعطيل الاتفاق قد يُفسّر كخطوة سياسية أكثر من كونه ضرورة فنية، الأمر الذي يعكس حجم التوتر الجيوسياسي المتصاعد في جنوب آسيا.
مخاوف من تدويل الصراع.. والمجتمع الدولي يراقب
يخشى مراقبون أن يؤدي التوجه الباكستاني نحو تدويل القضية إلى تصعيد غير محسوب في العلاقات الثنائية، في ظل امتلاك البلدين قدرات نووية وتاريخ طويل من العداء.
ويأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه المنطقة صراعات أخرى، مما قد يعقّد جهود الوساطة أو التهدئة.
وتبقى التساؤلات مفتوحة حول إمكانية عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، أو ما إذا كانت الأزمة ستدفع بمزيد من التصعيد العسكري أو الاقتصادي.
اقرأ أيضًا .. تعليق معاهدة السند يُشعل التوتر بين الهند وباكستان- هل تندلع الحرب المائية؟
الهند وباكستان أمام مفترق طرق
في ظل هذه التطورات المتسارعة، يجد البلدان نفسيهما أمام مفترق طرق خطير، فإما العودة إلى لغة الحوار والدبلوماسية، أو الانزلاق نحو صراع أشمل قد لا تقتصر تداعياته على مياه نهر السند، بل تمتد لتشمل الاستقرار الإقليمي برمّته.
ويترقب المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والبنك الدولي، الخطوات القادمة لكل من نيودلهي وإسلام آباد، وسط دعوات بضرورة ضبط النفس والعودة إلى الالتزامات الدولية.