بدعم أمريكي وأوروبي.. أوكرانيا تُنتج مليون مسيّرة سنويًا وتعتمد تكتيك “الذباب الإلكتروني”
بعد نجاح “عملية الويب” الأوكرانية التي استهدفت فيها مطارات حربية روسية على بُعد آلاف الأميال منها، ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية برزت الطائرات بدون طيار، وخاصة المسيّرات الانتحارية من نوع FPV، كسلاح رئيسي في ترسانة أوكرانيا.
وبدعم مباشر من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، تعمل كييف على تسريع إنتاجها المحلي من هذه الطائرات، في مسعى لإعادة تشكيل ميزان القوى في الميدان، وتجاوز تفوق روسيا العددي والناري من خلال التكنولوجيا والتكتيك.
مليون طائرة انتحارية .. الاعتماد على الإنتاج المحلي
أعلن وزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني، أولكسندر كاميسيهن، في النصف الثاني من عام 2023، أن بلاده نجحت في إنتاج نحو 50 ألف طائرة مسيّرة انتحارية من نوع FPV في شهر واحد فقط.. وذلك بدعم من دول الناتو.
وبعدها بعدة أشهر أعلنت أوكرانيا أن الرقم يصل إلى مليون مسيرة من أنواع مختلفة أغلبها من نوع FPV يتم إنتاجها سنوياً بحلول عام 2025، ما يعكس تحوُّلًا جذريًا في قدرة الصناعات الدفاعية المحلية.
- مئات المسيرات الأوكرانية التي تنتجها كييف بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول الناتو
الدعم الأمريكي.. شراكة استراتيجية وتسليح متسارع
في نهاية فبراير الماضي 2025، وقعت شركة “نيروس” الأمريكية الناشئة عقدًا لتزويد أوكرانيا بـ6 آلاف طائرة FPV هجومية خلال 6 أشهر. هذا العقد، الذي يُعد الأكبر من نوعه في تاريخ شركات الدرون الأمريكية، يأتي ضمن مبادرة دولية لدعم كييف بأنظمة قتالية متقدمة، وقد ساهم في تسريع وصول طائرات مسيرة حديثة إلى ساحة القتال الأوكرانية.
“نيروس” تتحدى هيمنة الصين.. تصنيع سريع وسلسلة توريد بديلة
رغم التحديات التي يواجهها مصنعو الطائرات الأمريكيون في مجاراة الإنتاج الصيني، تميزت “نيروس” بنهجها السريع والفعال من حيث الكلفة.
تأسست الشركة على يد متسابقين محترفين في مجال الدرون، واستطاعت خلال شهور قليلة الانتقال من التطوير إلى النشر الفعلي في الخطوط الأمامية. كما أنها تعتمد على سلسلة توريد لا تتضمن مكونات صينية، ما يمنحها مرونة استراتيجية واستقلالية تصنيعية.
الجهود الأميركية لمساعدة أوكرانيا على تطوير الطائرات دون طيار، بدأت بعد الهجوم المضاد الأول لأوكرانيا في خريف عام 2023، عندما أصبحت حدود القدرات التقليدية لأوكرانيا واضحة
استثمارات سرية كبيرة .. مئات الملايين من الدولارات للطائرات بدون طيار
وقال المسؤولون الأميركيون إنهم قاموا باستثمارات كبيرة وسرية، ساعدت أوكرانيا في بدء وتوسيع إنتاجها من الطائرات دون طيار.
لكن دعم صناعة الطائرات المسيرة بقي سريّاً إلى حد كبير، وشمل تطوير جيل جديد من الطائرات دون طيار، وإحداث ثورة في كيفية خوض الحروب. وهو ما تحدّث عنه مسؤولون من حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن استفادة الحلف من تجارب الحرب التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا.
فقد أنفقت الولايات المتحدة أموالاً كثيرة، لتعزيز إنتاج الطائرات دون طيار في أوكرانيا. وشملت الجهود الأميركية دعم مصنعيها وشراء الأجزاء، كما أرسلت الولايات المتحدة مسؤولين استخباراتيين إلى أوكرانيا للمساعدة في بناء برنامجها.
وفي العام الماضي، خصص البنتاجون 800 مليون دولار لإنتاج الطائرات دون طيار في أوكرانيا، التي تم استخدامها لشراء مكوناتها وتمويل صانعيها.
- مسيرة FPV الانتحارية محملة بقذيفة
وعندما زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي البيت الأبيض في سبتمبر 2024، قال الرئيس السابق بايدن إن 1.5 مليار دولار أخرى ستوجه إلى صناعة الطائرات دون طيار في أوكرانيا.
وقال المسؤولون الأميركيون إنهم يعتقدون أن الاستثمارات جعلت الطائرات دون طيار الأوكرانية أكثر فاعلية وفتكاً.
وأشاروا إلى أن الطائرات دون طيار البحرية الأوكرانية دمرت ربع أسطول روسيا في البحر الأسود، وأن الطائرات دون طيار المنتشرة على الخطوط الأمامية ساعدت في إبطاء تقدم روسيا في شرق أوكرانيا.
هجمات من منظور الشخص الأول.. FPV تغيّر قواعد الاشتباك
تمنح طائرات FPV الأوكرانية المشغّل قدرة فريدة على رؤية ساحة القتال مباشرة من منظور الطائرة، عبر كاميرا تنقل الفيديو إلى نظارات VR أو شاشات مراقبة. هذه التقنية تسمح بتنفيذ هجمات دقيقة ومباشرة ضد أهداف متحركة أو محصنة، بفضل التحكم الكامل والدقيق بالطائرة في الزمن الحقيقي.
لماذا تعتمد أوكرانيا على المسيرات الانتحارية؟
تكثيف استخدام المسيّرات الانتحارية يرتبط بثلاثة عوامل رئيسية وهي انخفاض الكلفة: أقل بكثير من الصواريخ أو الطائرات التقليدية .. وصعوبة الرصد: تعمل على ارتفاعات منخفضة وتتميز بحجم صغير يصعب كشفه بالرادار .. والقدرة على اختراق الدفاعات: مناورات حادة وسرعة عالية تسمح بتجاوز أنظمة الدفاع الجوي، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى تغطية متكاملة.
تكتيك أسراب الذباب الإلكتروني .. “منخفض التكلفة وعالي التأثير”
من منظور عسكري، يمثل الانتقال الأوكراني إلى إنتاج الطائرات FPV وتوسيع استخدامها نقطة تحوّل في طبيعة الصراع.
فبدلاً من الاعتماد على سلاح الجو التقليدي، تسعى كييف إلى تعويض فجوة التفوق الجوي الروسي باستخدام أسراب من المسيّرات الانتحارية التي يمكن إنتاجها وتشغيلها بسرعة وكلفة منخفضة.
هذا الأسلوب يشبه إلى حد كبير “تكتيك أسراب الذباب الإلكتروني”، حيث يتم إغراق خطوط العدو بعدد كبير من الأهداف المتحركة الصغيرة، ما يصعب مواجهتها ويُنهك الدفاعات الجوية.
وتتيح هذه التقنية لأوكرانيا تنفيذ عمليات نوعية ضد الدبابات ومراكز القيادة ومواقع الرادار الروسية، كما تساعدها في الحفاظ على استمرارية الضغط العسكري دون استنزاف كبير للموارد.
حروب المستقبل .. الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة
يبدو أن مستقبل المعارك في أوكرانيا، وربما في العالم، يتجه بقوة نحو حرب تعتمد على الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة منخفضة الكلفة.
وبينما تواصل كييف تطوير صناعتها الدفاعية بدعم من حلفائها الغربيين، فإن النجاح في هذا المجال قد لا يغيّر فقط مسار الحرب الحالية، بل قد يرسم ملامح جديدة لحروب المستقبل، حيث تلعب المسيّرات الانتحارية دورًا يشبه الصواريخ الذكية ولكن بثمن زهيد وسرعة انتشار هائلة.
اقرأ أيضًا: “عملية الويب”.. مسيرات FPV تضرب عمق الأراضي الروسية.. هل تمتلكها دول عربية؟