بسبب جنون ترامب.. ألمانيا تدرس استعادة 1200 طن ذهب من أمريكا

القاهرة (خاص عن مصر)- تدرس ألمانيا إمكانية استعادة 1200 طن ذهب من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وذلك مع تزايد المخاوف بشأن موثوقية الولايات المتحدة كحليف، لا سيما في ظل سياسات الرئيس دونالد ترامب المتقلبة.

تثير هذه الخطوة تساؤلات حول مستقبل الأمن المالي الدولي والديناميكيات المتغيرة لعلاقة أوروبا بالولايات المتحدة.

إعلان

استعادة 1200 طن ذهب.. إرث من الأمن الاقتصادي

لعقود من الزمن، خزّنت ألمانيا ما يقارب 1200 طن من الذهب في خزائن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مانهاتن. يمثل هذا الذهب، الذي يمثل 30% من إجمالي احتياطيات ألمانيا من الذهب، رمزاً لقوة البلاد الاقتصادية واستقرارها.

اتُخذ قرار تخزين هذه الكمية الكبيرة من الذهب في الولايات المتحدة في البداية خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما شهد الانتعاش الاقتصادي السريع لألمانيا فوائض تجارية كبيرة. حُوِّلت هذه الفوائض إلى ذهب بموجب نظام بريتون وودز، الذي رسّخ الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية في العالم.

تُقدَّر قيمة الذهب الألماني في مانهاتن بنحو 113 مليار يورو (96 مليار دولار)، مما يوفر للبلاد سيولة في أوقات الركود الاقتصادي.

مع ذلك، فإن المخاوف المتزايدة بشأن حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، لا سيما في ظل السياسة الخارجية الأمريكية الأخيرة في عهد دونالد ترامب، دفعت المسؤولين الألمان إلى إعادة النظر فيما إذا كان هذا الترتيب لا يزال يصب في مصلحة البلاد.

مخاوف بشأن موثوقية الولايات المتحدة كحليف

في ضوء التحولات الجيوسياسية وتصاعد سياسات دونالد ترامب “أمريكا أولاً”، يُعرب كبار أعضاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) عن مخاوفهم من أن واشنطن قد لا تكون شريكًا موثوقًا به لحماية الأصول الوطنية.

يناقش حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، المُقرر أن يقود الحكومة الألمانية المقبلة، إمكانية إعادة احتياطيات ألمانيا من الذهب إلى أوروبا، وتحديدًا إلى فرانكفورت، أو على الأقل ضمان إجراء عمليات تفتيش أكثر انتظامًا للذهب المُخزّن في الولايات المتحدة.

أكد ماركو واندرفيتز، الوزير السابق في الحكومة الألمانية وعضو الحزب، مؤخرًا على أهمية السماح للمسؤولين الألمان بفحص الذهب شخصيًا. يأتي هذا الاقتراح استجابةً لرغبة متزايدة في مزيد من السيطرة على الأصول الوطنية، وشعور متزايد بالضعف في مواجهة السياسات الأمريكية غير المؤكدة.

لطالما دعا واندرفيتز إلى زيادة الشفافية وإمكانية الوصول إلى احتياطيات ألمانيا من الذهب، وهو موقفٌ أيده ماركوس فيربير، عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب.

صرح فيربير: “أطالب بإجراء عمليات تفتيش منتظمة لاحتياطيات ألمانيا من الذهب. يجب على الممثلين الرسميين للبنك المركزي الألماني إحصاء السبائك شخصيًا وتوثيق نتائجهم”.

اقرأ أيضًا: كيف وحدت رسوم ترامب الجمركية العالم ضد أمريكا ؟ نظام تجاري عالمي جديد  

التحول الاستراتيجي: لماذا الآن؟

تأتي خطوة استعادة 1200 طن ذهب في خضم تحول أوسع نطاقًا في استراتيجيات أوروبا الدفاعية والاقتصادية. أدى انتخاب فريدريش ميرز، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في فبراير 2025 إلى إصلاحات جوهرية، شملت تغييرًا تاريخيًا في سياسات الإنفاق الدفاعي في ألمانيا.

تعهدت حكومة ميرز بتخصيص صندوق للبنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو لإنعاش البنية التحتية العسكرية والعامة في ألمانيا، بهدف تقليل اعتماد البلاد على الدعم العسكري والأسلحة الأمريكية.

كما تشمل الإصلاحات التزامًا بإنفاق 1% من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا على الدفاع، مع إعفاء بعض المشاريع من قيود صارمة على الديون.

من المرجح أن تكون هذه التغييرات الداخلية، إلى جانب المخاوف المتزايدة بشأن تقلبات السياسة الأمريكية، قد أثرت على المناقشات حول استعادة الذهب الألماني من نيويورك.

مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا، لا سيما بعد فرض ترامب رسومًا جمركية على الاتحاد الأوروبي، تسعى القيادة الألمانية إلى تأمين أصولها وحماية سيادتها الاقتصادية.

جدل إعادة الذهب: المخاطر والفوائد

أثارت مسألة إعادة الذهب قضايا معقدة تتعلق بالأمن والتطبيق العملي. من ناحية، من شأن إعادة نقل الذهب إلى ألمانيا أو أي دولة أوروبية أخرى أن يتيح مزيدًا من التحكم والشفافية. إلا أن لوجستيات هذه الخطوة محفوفة بالتحديات، بما في ذلك التكاليف والمخاطر المحتملة لنقل هذه الكمية الضخمة من الذهب.

أعرب البنك المركزي الألماني (بوندسبنك) عن ثقته في سلامة احتياطياته من الذهب لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مؤكدًا أنه لا يزال يعتبر شريكه الأمريكي “جديرًا بالثقة” و”موثوقًا به”.

رغم هذه الضمانات، فإن حالة عدم اليقين المحيطة بالسياسة الخارجية الأمريكية، وخاصةً فيما يتعلق بأوروبا، دفعت إلى إعادة تقييم الفوائد الاستراتيجية للاحتفاظ بهذه الكمية الضخمة من الذهب خارج أوروبا.

التداعيات الأوسع على الاستقلال الأوروبي

يشير قرار ألمانيا المحتمل بإعادة ذهبها إلى تحول أوسع نطاقًا نحو استقلال أوروبي أكبر عن النفوذ الأمريكي. مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، لا سيما في أعقاب هجوم خط أنابيب نورد ستريم والمخاوف الأمنية المستمرة مع روسيا، تركز الدول الأوروبية بشكل متزايد على تعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية.

يعتقد الخبراء أن خطوة إعادة الذهب قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا لتعزيز السيطرة على الأصول المالية الحيوية وتقليل اعتماد أوروبا على الأنظمة المالية الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة.

في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة انقساماتها الداخلية وتغير سياساتها الخارجية، تسعى دول أوروبية مثل ألمانيا إلى حماية سيادتها وبناء قدرتها على الصمود في وجه الضغوط الاقتصادية الخارجية.

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى