بعد إعلان حكومة حميدتي.. هل يدخل السودان دوامة الانقسام الليبي؟
في تطور خطير قد يُغيّر خريطة السودان السياسية إلى الأبد، أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، السبت، تشكيل حكومة موازية برئاسته، في خطوة اعتبرها محللون محاولة واضحة لتكريس واقع الانقسام السياسي والعسكري في البلاد، على غرار ما حدث في ليبيا بعد عام 2014، حين انقسمت السلطة بين شرق وغرب البلاد.
وتأتي هذه الخطوة ضمن تحركات تحالف “تأسيس”، الذي يضم فصائل سياسية وعسكرية متحالفة مع الدعم السريع، حيث تم تعيين السياسي محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، فيما تولّى حميدتي رئاسة المجلس الرئاسي للحكومة الجديدة، التي تُطرح كإطار بديل عن الحكومة التي يقودها الجيش في بورتسودان.
مشروع “سودان جديد” مقابل سلطة المركز
التحالف أعلن أنه يسعى إلى تأسيس “دولة سودانية جديدة” تقوم على أساس دستور انتقالي وُقّع في مارس الماضي، يتبنى الفيدرالية والعلمانية، ويُقسّم البلاد إلى ثمانية أقاليم، بما يعكس رغبة الدعم السريع في إعادة تشكيل الدولة بعيدًا عن هيمنة المركز التاريخي في الخرطوم.
وتُسيطر قوات حميدتي فعليًا على معظم مناطق غرب السودان، خاصة إقليم دارفور، في حين يواصل الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان إحكام قبضته على مناطق الشرق والعاصمة الخرطوم، وهو ما يجعل السودان، من الناحية العملية، بلدًا منقسمًا بين حكومتين وسلطتين.
تحذيرات من “ليبيا جديدة”
التحذيرات الدولية لم تتأخر. فقد عبّرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي عن مخاوف جدية من دخول السودان في مرحلة انقسام دائم، يُهدد بتكرار السيناريو الليبي، حيث أفرزت الحرب في ليبيا حكومتين متصارعتين، واحدة في طبرق والأخرى في طرابلس، مما أدى إلى فوضى عارمة ومجتمع دولي منقسم في الاعتراف بشرعية أيٍّ منهما.
ويؤكد محللون أن إعلان حكومة موازية بقيادة حميدتي لن يؤدي إلى تسريع الحل السياسي، بل سيزيد من تعقيد مشهد التفاوض، ويطرح معضلة جديدة أمام الوسطاء الدوليين والإقليميين: من هو الطرف الشرعي الذي يجب التفاوض معه؟
دعم خارجي وسيناريوهات تسليح
الاتفاق الذي مهّد لهذه الخطوة وُقّع في كينيا فبراير الماضي، وجمع قادة الدعم السريع مع جماعات متحالفة معه، حيث تم التوافق على تشكيل حكومة تهدف لتحدي شرعية الجيش وتأمين واردات أسلحة متطورة.
وقد أثار هذا التحرك شكوكًا حول احتمال حصول الدعم السريع على دعم خارجي لوجستي وعسكري من قوى إقليمية تُعارض سلطة الجيش.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على البرهان في وقت سابق، متهمة إياه بتعطيل مسارات السلام، في حين لم تُخفِ بعض القوى الدولية امتعاضها من تقاعس الطرفين عن الدخول في تسوية سياسية شاملة.
مأساة إنسانية في السودان
ورغم التحولات السياسية المتسارعة، تبقى المأساة الإنسانية في السودان هي الوجه الأكثر قتامة في الأزمة. إذ تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن نصف سكان البلاد البالغ عددهم نحو 50 مليونًا يواجهون خطر الجوع والمجاعة، وسط انهيار البنية التحتية، وانعدام الخدمات، واستمرار المعارك بين الجيش والدعم السريع في مناطق عدة.
هل يتكرر نموذج ليبيا؟
في ظل هذا التصعيد، يبدو أن السودان بات أقرب من أي وقت مضى إلى النموذج الليبي، حيث انقسام المؤسسات، وتعدد مراكز القوة، وتضارب الشرعيات، وانسداد أفق الحل السياسي.
ويتخوف السودانيون من أن تطول هذه المرحلة، وتُدخل البلاد في حلقة مفرغة من الحرب بالوكالة والتدخلات الخارجية التي أنهكت ليبيا لعقد كامل.
اقرأ أيضا .. “حنظلة” تستغيث في عرض البحر.. هل تخطط إسرائيل لهجوم جديد على سفينة الحرية؟