بعد رحيل الأسد.. حسابات إسرائيل الاستراتيجية تقلب المشهد السوري رأسًا على عقب
القاهرة (خاص عن مصر)- أدى الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا إلى تغيير جذري في المشهد السوري، وتوازن القوى، مما خلق مجموعة جديدة من حسابات إسرائيل الاستراتيجية.
ووفقا لتحليل، إيلان بيرمان، نائب الرئيس الأول، مجلس السياسة الخارجية الأميركية، والمنشور في مجلة نيوزويك، لسنوات، تمكنت إسرائيل من التعايش الحذر وغير المريح مع حكومة الأسد، والتي كانت متوقعة على الرغم من عدائها.
سمح هذا الوضع الراهن الهش لإسرائيل بتركيز انتباهها على تهديدات ملحة أخرى، مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
الآن، أدى الإطاحة بالأسد إلى تحالف من الجماعات المتطرفة، بقيادة هيئة تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني. وقد أدى هذا التحول إلى تعطيل الديناميكية الإقليمية بشكل كبير، وخاصة فيما يتعلق بنفوذ إيران في سوريا.
اضطرت الجمهورية الإسلامية إلى إجلاء القوات العسكرية والمدنيين، مما أدى إلى قطع جسرها البري إلى حزب الله في لبنان. ولكن على الرغم من تقليص الوجود الإيراني، فإن الحقائق الجديدة في سوريا تفرض مخاطر معقدة وربما أعظم على إسرائيل.
الفراغ الاستراتيجي وعدم اليقين
تواجه إسرائيل وضعا استراتيجيا هشا في صراعها مع واقع ما بعد الأسد. ووفقا للعميد المتقاعد إران أورتال، وهو محلل كبير في مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان، فإن إسرائيل لم تضع بعد استراتيجية متماسكة للتعامل مع التطورات في سوريا.
اتخذت قوات الدفاع الإسرائيلية تدابير احترازية، مثل نشر وحدات في مرتفعات الجولان، لكن الاستجابة الأوسع نطاقا لا تزال غير محددة.
إن ظهور هيئة تحرير الشام كقوة مهيمنة يثير القلق. وفي حين أظهر الجولاني نبرة تصالحية، فإن الجذور الجهادية لمجموعته تشكل سببا للقلق. وأشار أورتال إلى أن “الجولاني وتحالفه من المتمردين جهاديون معروفون، وقد استيقظت إسرائيل للتو من حلم القدرة على استرضاء نظام جهادي، نظام حماس في غزة”.
الواقع أن التوقعات تشير إلى أن خطاب الجولاني سوف يفسح المجال لسلوك متطرف، وهو ما من شأنه أن يزيد من تعقيد حسابات الأمن الإسرائيلية.
اقرأ أيضًا: هجرة الإسرائيليين تتضاعف عام 2024.. مخاوف بشأن رحيل العقول
صعود نفوذ تركيا
إن ما يزيد من التحديات التي تواجه إسرائيل هو الاحتمال المتزايد بأن يملأ النفوذ التركي الفراغ الذي خلفته إيران. فتركيا، تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، قوة إقليمية هائلة وعضو في حلف شمال الأطلسي ولها تاريخ من العلاقات المتوترة مع إسرائيل.
يحذر أورتال من أن أردوغان قد يستغل النظام السوري الجديد لتعزيز مصالحه الاستراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما من شأنه أن يزيد من حدة التحديات الجيوسياسية التي تواجه إسرائيل. والواقع أن الميول الإسلامية لتركيا وقدراتها الدفاعية تجعل من مشاركتها المحتملة بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل مسألة تثير قلقا بالغا.
التداعيات المترتبة على المنافسة الإقليمية
إن التحول في سوريا يعكس تحولا أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، حيث تعود المنافسة الإمبريالية إلى الظهور. ووصف أورتال الوضع بإيجاز: “إن منطقتنا تعود إلى المنافسة الإمبريالية، وإسرائيل عالقة في الوسط”.
إن هذه الديناميكية المتطورة تؤكد على المخاطر المتزايدة التي تواجه إسرائيل وحلفائها وهم يتنقلون عبر مرحلة جديدة من التنافس الإقليمي.
السياسة الأمريكية والطريق إلى الأمام
لقد استجابت إدارة بايدن للإطاحة بالأسد بالانخراط السريع مع هيئة تحرير الشام، بما في ذلك التراجع عن العقوبات المفروضة على سماسرة السلطة الجدد في سوريا.
يبدو أن هذه التحركات تهدف إلى إعادة تأسيس الوجود الأمريكي في المنطقة بعد سنوات من الانسحاب. ومع ذلك، يحذر أورتال من أن هذه الخطوات قد لا تحمي المصالح الأمريكية أو مصالح حلفائها بشكل كافٍ.
مع استعداد إدارة ترامب القادمة لتولي منصبها، تواجه واشنطن قرارات حاسمة بشأن دورها في الشرق الأوسط. سيكون دعم الحلفاء الإقليميين مثل إسرائيل وتحديد استراتيجية لهذه المرحلة الجديدة من المنافسة أمرًا ضروريًا حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تأكيد نفوذها وحماية مصالحها الاستراتيجية.