بعد سنوات من الرعب.. هل تستطيع ليبيا محاكمة أمراء الحرب في ترهونة؟

بعد مرور أعوام على سقوط سلطة ميليشيا الكانيات في مدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس، بدأت العدالة الليبية تحرك عجلاتها نحو محاسبة المتورطين في واحدة من أبشع صفحات الانتهاكات في تاريخ البلاد الحديث.

النيابة العامة الليبية تُكثف جهودها لملاحقة قادة وعناصر الكانيات، وسط دعم دولي ومطالبات حقوقية بإنصاف الضحايا وكشف الحقيقة كاملة.

ماذا حدث في ترهونة ؟

ما بين عامي 2014 و2020، خضعت مدينة ترهونة لسيطرة ميليشيا مسلحة تُعرف رسميًا باسم “اللواء التاسع”، غير أن السكان أطلقوا عليها اسم “ميليشيا الكانيات”، نسبة إلى العائلة التي تولت قيادة الجماعة المسلحة.

خلال تلك السنوات، ارتبط اسم الميليشيا بعمليات قتل ، واختطاف، وقمع للمعارضين، وتحولت ترهونة إلى مدينة تئن تحت وطأة الترهيب والخوف.

 شهادة صامتة على جرائم ترهونة

مع دخول قوات حكومة الوفاق الوطني إلى المدينة في 2020، بدأت تظهر معالم الكارثة. عشرات المقابر تم اكتشافها في محيط ترهونة، دفنت فيها جثث مدنيين قُتلوا بطرق وحشية.

فرق البحث والطب الشرعي تواصل منذ ذلك الحين عمليات استخراج الجثث وتحديد الهويات، في مهمة مؤلمة لكنها ضرورية لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة.

النيابة تُحرك ملف جرائم ترهونة

النيابة العامة الليبية أعلنت مؤخرًا أنها تعمل على ملاحقة جميع المتورطين في الجرائم المنسوبة لميليشيا الكانيات. وقد تم توقيف عدد من العناصر، أحدهم متهم بقتل مدني وخطف شقيقيه داخل أحد مقرات الميليشيا، وسط تحقيقات كشفت تفاصيل صادمة عن طبيعة الانتهاكات.

كما أصدرت النيابة مذكرات توقيف إضافية، وأكدت أن قضية ترهونة لن تُغلق دون محاسبة كل المتورطين، بما في ذلك من فروا إلى خارج البلاد.

دعم دولي ومذكرات من المحكمة الجنائية

منظمات دولية، بينها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، دخلت على خط القضية.

الأخيرة أصدرت مذكرات اعتقال بحق ستة من قادة الميليشيا، وطالبت السلطات الليبية بتسليمهم تمهيدًا لمحاكمتهم بتهم تتعلق بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب.

كما بدأ التنسيق بين النيابة العامة والشرطة الدولية (الإنتربول) لتعقب الفارين من عناصر الميليشيا خارج الأراضي الليبية.

تحديات أمام العدالة

رغم التقدم في التحقيقات، تواجه النيابة تحديات معقدة، على رأسها الانقسام السياسي الذي لا يزال يُضعف مؤسسات الدولة، وفرار بعض القادة إلى دول مجاورة حيث يصعب تسليمهم دون اتفاقيات رسمية. كما أن الوضع الأمني الهش يجعل عمليات الاعتقال والتحقيق محفوفة بالمخاطر.

رابطة ضحايا ترهونة عبّرت عن ارتياحها للتحركات القضائية، لكنها طالبت بتوسيع نطاق المحاكمات لتشمل كل من شارك في الجرائم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. كما شددت على ضرورة الكشف الكامل عن المقابر وتحديد مصير المفقودين.

وتؤكد الرابطة أن العدالة ليست انتقامًا، بل الطريق الوحيد لبناء ليبيا الجديدة على أساس القانون والكرامة الإنسانية.

هل انتهي زمن الإفلات من العقاب؟

وفق مراقبون فإن ملف ميليشيا الكانيات لا يتعلق فقط بمدينة ترهونة، بل يُمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة الليبية على استعادة هيبتها وبناء مؤسساتها القضائية.

ومع كل توقيف جديد أو جثة يتم استخراجها، تزداد الضغوط على السلطات للمضي قدمًا في محاسبة أمراء الحرب الذين نشروا الرعب في المدينة لسنوات.

وبينما تتحرك العدالة ببطء، إلا أن الأمل يظل قائمًا لدى عائلات الضحايا بأن يروا في يوم قريب من حكم عليهم بالموت يُحاكمون أمام القانون.

اقرأ أيضا: بين دعم دولي ورفض أمريكي إسرائيلي.. هل ينجح مؤتمر نيويورك في إحياء حل الدولتين؟

زر الذهاب إلى الأعلى