بـ 58 مليار دولار.. العاصمة الإدارية ضمن أغلى 5 عواصم في العالم
في مواجهة الفوضى العارمة التي تعم القاهرة، المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 22 مليون نسمة، شرعت مصر في واحدة من أكثر التجارب الحضرية طموحًا في العالم: بناء عاصمة جديدة كليًا من الصفر في الصحراء.
لا يُعد هذا المشروع، المُقدرة تكلفته بنحو 58 مليار دولار، مجرد تجربة معمارية رائعة، بل رهانًا جريئًا على مستقبل البلاد، يصفه المؤيدون بأنه حلٌّ ضروريٌّ لمشكلة الاكتظاظ السكاني والتدهور العمراني.
الرؤية: بنية تحتية ذكية وطموحات جريئة
أُعلن عن العاصمة الإدارية الجديدة لأول مرة في مارس 2015 في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي مدينة مستقبلية تقع على بُعد 30 ميلًا شرق القاهرة، مُصممة لاستيعاب 6.5 مليون نسمة.
يَعِدُ المشروع بأسلوب حياة حضري عالي التقنية، وبنية تحتية ذكية، ومساحات خضراء، ومعالم معمارية بارزة، بما في ذلك أطول ناطحة سحاب في أفريقيا، البرج الأيقوني الذي يبلغ ارتفاعه 396 مترًا.
انتقلت بالفعل أكثر من 1500 عائلة إلى المدينة، وتنتقل الوزارات إلى أماكن أخرى، حيث وعد المسؤولون بإنشاء مركز حكومي يعمل بكامل طاقته بحلول منتصف عشرينيات القرن الحادي والعشرين.
تهدف المدينة إلى تخفيف الضغط على القاهرة، التي من المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها إلى 36 مليون نسمة في غضون أربعة عقود، ووفقًا لخالد عباس، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، يتنقل ما يقرب من 48 ألف موظف حكومي يوميًا إلى الوزارات والمكاتب في المدينة الجديدة، ويزداد الطلب على المزيد من المساكن والمساحات المكتبية.
من صحراء قاحلة إلى مدينة عصرية
تقع العاصمة الجديدة بين القاهرة وقناة السويس، وترتبط بسابقتها بواسطة قطار خفيف كهربائي وخط سكة حديد أحادي مرتفع، كجزء من دفعة هائلة نحو بنية تحتية ذكية ومستدامة. حيث كانت الرمال مجرد رمال، بدأت مدينة مزدهرة تتشكل – موطنًا لأحياء حكومية متطورة، ومراكز أعمال، وأحياء سكنية.
تتميز العاصمة الإدارية الجديدة بمجموعة من المرافق الحديثة: أكبر مسجد في أفريقيا، يتسع لأكثر من 107000 مصلٍّ؛ وملعب رياضي ضخم يتسع لنحو 94000 متفرج، ويشكل قلب “المدينة الأولمبية” المخطط لها؛ وأكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط. وقد بدأت أعمال تنسيق الحدائق في “النهر الأخضر”، وهو منتزه بطول 10 كيلومترات سيوفر مساحات خضراء حيوية للمدينة.
الاقتصاد: تكاليف باهظة، تمويل جريء
مع أن الرؤية طموحة، إلا أن التكاليف باهظة. فقد استهلكت المرحلة الأولى من المدينة وحدها حوالي 16 مليار دولار من الإنفاق على البنية التحتية – 32 مليار دولار بأسعار الصرف قبل تخفيض قيمة الجنيه. ومن المتوقع أن تضيف المراحل اللاحقة ما بين 8 و10 مليارات دولار لكل مرحلة.
وفقًا للحكومة، يتم جمع التمويل من خلال الشركات المملوكة للدولة وبيع الأراضي، حيث تخطط شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية لطرح ما بين 5% و10% من أسهمها في سوق الأسهم بحلول نهاية عام 2024 على أمل جمع ما يصل إلى 200 مليار جنيه مصري.
لكن هذه الطموحات أثارت انتقادات لاذعة. يحذر بعض الخبراء من أن اقتراض مليارات الدولارات من الخارج لتمويل المشروع قد يُرهق موارد مصر المالية المتعثرة أصلًا، لا سيما في ظل معاناة البلاد من انخفاض قيمة العملة، وارتفاع تكاليف سداد الديون، وتراجع تحويلات المغتربين.
اقرأ أيضا.. الحلاوة الأبدية.. عسل مصري عمره 3000 عام في المقابر القديمة صالح للأكل حتى اليوم
المياه والموارد والقضايا الاجتماعية
تطرح إدارة الموارد تحديات إضافية. ستعتمد العاصمة الجديدة على 1.5 مليون متر مكعب من مياه النيل يوميًا – أي حوالي 1% من حصة مصر – عبر محطات ضخمة قرب القاهرة، مما يثير تساؤلات حول الاستدامة في ظلّ شحّ المياه الذي تعاني منه البلاد.
لا يُعدّ هذا المشروع إنجازًا هندسيًا فحسب، بل هو أيضًا إنجازٌ في مجال الهندسة الاجتماعية. فمع استهداف الحكومة 1.5 مليون نسمة في كلٍّ من المرحلتين الأوليين، ورؤية طويلة الأمد لاستيعاب 6.5 مليون نسمة، يعتمد الكثير على قدرة المدينة على جذب ودمج شريحة سكانية متنوعة تتجاوز موظفي الحكومة والأثرياء.
في الوقت الحالي، بدأت العائلات بالتدفق تدريجيًا، حيث يشغل حوالي 1200 منزل حاليًا من أصل 100 ألف وحدة سكنية جاهزة.
مشروع رائد أم عبث؟
على الرغم من تباطؤ التقدم في الأشهر الأخيرة، تواصل شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية المضي قدمًا في التوسع.
من المتوقع أن تنقل البنوك والشركات الكبرى مقارها الرئيسية، ويجري التخطيط للمراحل اللاحقة التي قد تُضاعف مساحة المدينة بحلول عام 2027. ويُبدي مؤيدو المشروع، مثل خالد عباس، تفاؤلاً كبيراً: “لدينا طلب كبير الآن. ولذلك، علينا البدء فوراً في المرحلة الثانية”.