بقيمة تبادل تجاري 10 مليارات دولار.. كيف تطورت العلاقات بين السعودية وفرنسا؟

تُعد العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية وفرنسا نموذجًا حيًا للتعاون الاستراتيجي بين دولتين تسعيان إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التبادل التجاري والاستثماري.
وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت هذه العلاقات طفرة ملحوظة، تزامنًا مع تقارب سياسي كبير بين القيادة في الرياض وباريس.
والتعاون لا يقتصر على القطاعات التقليدية مثل الطاقة والصناعة، بل يشمل أيضًا المجالات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، والسياحة الثقافية.
ومن خلال هذه الشراكة المتنامية، تسعى السعودية وفرنسا إلى تحقيق أهداف مشتركة تدعم استدامة النمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي على الساحة العالمية.
ومن المقرر أن تشهد الساعات القادمة قمة بين الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش زيارة الأخير إلى الرياض للمشاركة في اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) اليوم الإثنين.
اقرأ أيضًا: البنك الدولي يتوقع نمو اقتصاد السعودية 4.7% في 2026
تعزيز التعاون الاقتصادي بين السعودية وفرنسا
كانت الزيارات المتبادلة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمثابة محرك رئيسي لهذا التعاون.
وفي عامي 2022 و2023، شهدت هذه الزيارات نقاشات مثمرة حول تعزيز التعاون في مجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، وذلك تماشيًا مع رؤية البلدين لتحقيق تنمية مستدامة، حيث أن هذا التوجه المشترك فتح أفقًا واسعًا للتعاون بين السعودية وفرنسا في المستقبل.
التبادل التجاري والاستثماري
وفي عام 2023، وصل حجم التبادل التجاري بين السعودية وفرنسا إلى 10.75 مليار دولار، مع تحقيق فائض تجاري لصالح المملكة بلغ 1.9 مليار دولار.
وتصدر السعودية إلى فرنسا سلعًا بقيمة 6.3 مليار دولار، بينما استوردت منتجات فرنسية بقيمة 4.4 مليار دولار، شملت بشكل رئيسي المنتجات الصناعية والتقنية.
وهذا النمو الملحوظ في التبادل التجاري ينعكس في تعزيز التعاون الاستثماري بين البلدين، الذي شهد تطورًا ملموسًا خاصة في القطاعات المستهدفة مثل الطاقة والذكاء الاصطناعي.
الاستثمارات السعودية في فرنسا
وفي إطار رؤية السعودية 2030، تزايدت الاستثمارات السعودية في فرنسا في العديد من القطاعات المتنوعة.
وقد ساهمت هذه الاستثمارات في تعزيز التعاون في مجالات حيوية مثل الطاقة والتقنية والسياحة، مما يعكس التزام المملكة بتوسيع نطاق تعاونها مع الدول الأوروبية الكبرى.
- محمد بن سلمان وإيمانويل ماكرون
مشاريع مشتركة في قطاع الطاقة
وتعد المشاريع المشتركة بين المملكة وفرنسا في قطاع الطاقة مثالاً بارزًا على التعاون المثمر بين البلدين.
ومن بين هذه المشاريع مجمعا “ساتورب” و”أميرال” للبتروكيماويات، بالإضافة إلى التعاون مع شركة “توتال” الفرنسية لتطوير محطات الوقود في المملكة.
وهذه المشاريع تعكس الاستفادة من الخبرات الفرنسية في مجال الطاقة، وهو ما يدعم رؤية المملكة للتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.
التعاون العسكري بين السعودية وفرنسا
ويشمل التعاون بين المملكة وفرنسا أيضًا قطاع الصناعات العسكرية، حيث يتم العمل على مشاريع مشتركة لتوطين صناعة الطائرات العمودية ومكونات الطائرات من خلال التعاون مع شركتي “إيرباص” و”فيجياك أيرو”.
وهذه المشاريع تساهم في تعزيز القدرات الصناعية العسكرية للمملكة في إطار سعيها لتنويع صناعاتها الدفاعية.
منتدى الاستثمار السعودي-الفرنسي
وفي يونيو 2023، استضافت باريس النسخة الأولى من منتدى الاستثمار السعودي-الفرنسي، الذي تم بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي.
وأسفر المنتدى عن توقيع 24 اتفاقية بين الشركات السعودية والفرنسية، بلغت قيمتها أكثر من 18 مليار دولار، شملت اتفاقية بارزة لشراء 325 طائرة من شركة “إيرباص”.
وهذه الصفقات تبرز عمق التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتشير إلى رغبة متبادلة في تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية.
اقرأ أيضًا: ديون قياسية للبنوك السعودية لتلبية مطالب تمويل المشاريع الكبرى
التعاون الثقافي والسياحي
وتمثل شراكة تطوير محافظة العلا نموذجًا آخر للتعاون الناجح بين المملكة وفرنسا، حيث تم إطلاق العديد من المشاريع الثقافية والسياحية، بما في ذلك مشروع “فيلا الحجر” والبرنامج الأثري الذي شارك فيه 150 باحثًا فرنسيًا.
كما تم تعزيز التعاون الأكاديمي بين الهيئة الملكية لمحافظة العلا وجامعة “بانتيون سوربون”، مما يساهم في تبادل المعرفة وتعزيز الثقافة الفرنسية في المملكة.
التعاون الأمني والإقليمي
ولا تقتصر العلاقات بين المملكة وفرنسا على التعاون الاقتصادي والاستثماري فقط، بل تشمل أيضًا مجالات الأمن الإقليمي والدولي، فقد قدمت المملكة دعمًا ماليًا قدره 100 مليون دولار لتحالف الساحل لمكافحة الإرهاب، مما يعكس التزام المملكة بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وهذا التعاون الأمني يتماشى مع المواقف المتقاربة بين البلدين في التعامل مع قضايا إقليمية مثل الأزمة السودانية واللبنانية.
وتظل العلاقات بين المملكة العربية السعودية وفرنسا في تطور مستمر، حيث يعزز التعاون في المجالات الاقتصادية، الثقافية، والجمركية التفاعل بين البلدين.
وتستمر المملكة وفرنسا في العمل على تحقيق أهداف مشتركة تسهم في تعزيز مكانتهما على الساحة الدولية، مع التأكيد على أن الشراكة بين البلدين لن تقتصر على ما تحقق حتى الآن، بل ستواصل النمو والتوسع في المستقبل.