بين فوردو وبغداد.. هل تعيد واشنطن إنتاج خدعة العراق في إيران؟

تتسع دوائر الجدل في واشنطن بعد الضربات الجوية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية في إيران، مع تصاعد الخلافات بين البيت الأبيض ووكالات الاستخبارات حول حقيقة النتائج.

وأعاد هذا الجدل إلى الأذهان ما حدث قبيل غزو العراق عام 2003، حين استُخدمت معلومات استخباراتية مثيرة للجدل لتبرير عملية عسكرية كبرى.

ترامب يعلن النصر على إيران والاستخبارات تتحفظ

في تصريح لافت، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الغارات التي شاركت فيها إسرائيل بأنها “سحقت المنشآت النووية الإيرانية تماماً”، مؤكداً أن الهجوم وجه “ضربة قاصمة” لقدرات إيران النووية، وأن طهران لن تتعافى منها قريباً.

لكن هذه اللهجة المنتصرة اصطدمت سريعاً بتقارير استخباراتية متضاربة، أثارت شكوكاً حول مدى نجاح العملية فعلاً، خاصة مع تباين التقييمات بشأن حجم الضرر الذي لحق بمنشآت إيران الحساسة.

تضارب في واشنطن حول نتائج الضربة الأمريكية على إيران

وفقاً لتقرير أولي صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA)، استُند إلى صور واستطلاعات خلال الساعات الأولى بعد الضربات التي طالت فوردو، نطنز، وأصفهان، فإن مستوى الدمار وُصف بأنه يتراوح بين “متوسط وشديد”، مع تأخير محتمل في البرنامج النووي الإيراني “لبضعة أشهر فقط”.

ومع ذلك، وصف التقرير نفسه نتائجه بأنها “ضعيفة الثقة”، مشيراً إلى أن بعض المنشآت ربما لم تُكتشف أو لم تُستهدف.

في المقابل، قدمت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تقييماً أكثر تشدداً بعد أيام من الضربات. وقال مديرها جون راتكليف إن معلومات حديثة “موثوقة تاريخياً” تفيد بأن منشآت رئيسية “دُمّرت بالكامل”، ولن تكون قابلة للإصلاح لسنوات، معتمدًا على مصادر ووسائل مراقبة متعددة.

أين ذهب اليورانيوم وأجهزة الطرد؟

رغم الضربات، أشار بعض المحللين إلى أن إيران كانت قد نقلت مخزوناً كبيراً من اليورانيوم المخصب من المواقع المستهدفة قبل القصف، ما قد يُقلل من أثر الهجوم.

كما أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) بأن طهران أوقفت أنشطة نووية في بعض المواقع قبل الضربات بفترة، مما يثير تساؤلات حول الهدف الحقيقي من التوقيت.

إضافة إلى ذلك، لم تؤكد أي جهة انهيار الأنفاق أو المداخل الحيوية لمنشأة فوردو، ما يترك المجال مفتوحاً أمام احتمال استعادة النشاط فيها لاحقاً.

انقسام سياسي في واشنطن حول نتائج ضربة إيران

أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، وخصوصاً من الحزب الديمقراطي، عبّروا عن قلقهم من الاعتماد على تقييمات استخباراتية “منقوصة” أو “مسيّسة”.

وقال السيناتور مارك وارنر إن تكرار ما حدث قبل غزو العراق يجب أن يكون “خطاً أحمر”، داعياً إلى شفافية أكبر في التعامل مع تقارير الاستخبارات.

هل تكرر واشنطن خدعة العراق 2003 في إيران؟

قبل أكثر من عقدين، استخدمت إدارة جورج بوش تقارير استخباراتية للترويج لامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وتبرير غزو البلاد.

وبعد إسقاط النظام، تبيّن أن تلك المزاعم لم تكن مدعومة بأدلة قوية، بل اعتمدت على مصادر غير موثوقة، وتم تجاهل تقديرات بديلة داخل المؤسسات الأمنية نفسها.

وقد فُتح حينها ملف تسييس المعلومات الاستخباراتية، واتُّهمت الإدارة الأمريكية بتضخيم الخطر العراقي لخدمة أهداف سياسية وعسكرية، وهو ما أدى إلى أزمة ثقة طويلة في الداخل الأمريكي والخارج.

إيران ليست العراق… ولكن!

رغم الفروقات الجوهرية، يرى مراقبون أن بعض الملامح تتكرر اليوم. فالهجوم على إيران، دون وجود توافق استخباراتي واضح،

ومن دون إعلان رسمي عن نتائج ملموسة، يعيد إلى الواجهة أسئلة جوهرية: هل كانت الضربة ذات أهداف عسكرية خالصة؟ أم أنها تحركت أيضاً في إطار أجندة انتخابية وسياسية للبيت الأبيض؟

الانتقادات الداخلية، وتضارب المعلومات، يعيدان إلى السطح نقاشاً مؤجلاً حول استقلالية أجهزة الاستخبارات عن الضغوط السياسية، خاصة في ظل وجود إدارة تميل إلى الحسم الإعلامي قبل الاستخباري.

بين فوردو وبغداد

وفق مراقبون فإن الضربة الجوية على المنشآت الإيرانية قد تكون ألحقت أضراراً حقيقية بالبرنامج النووي، وقد تكون مجرد حلقة جديدة في سلسلة استعراضات سياسية. لكن المؤكد أن المشهد الأمريكي يعيش اليوم انقساماً داخلياً حول المعلومة، تماماً كما حدث عام 2003.

اقرأ أيضا

ترامب وصفه بـ”الشيوعي المجنون”.. هل يصبح زهران ممداني أول مسلم يحكم نيويورك؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى