تبادل أسرى في سوريا.. ماذا يحدث بين “قسد” وحكومة دمشق؟

شهدت مدينة حلب السورية هذا الأسبوع تطورًا سياسيًا وأمنيًا لافتًا، تمثَّل في عملية تبادل أسرى بين الحكومة السورية في دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، شملت مئات المدنيين والعسكريين.
ورغم أهميته الإنسانية،فالأمر لم يكن مجرد صفقة تبادل، بل جاء كجزء من اتفاق سياسي أوسع بدأ تنفيذه بهدوء منذ مارس الماضي. فماذا يحدث بالفعل في أروقة قسد وفي كواليس حكومة دمشق؟
قسد ودمشق واتفاق “الدمج والعودة”
بحسب تقارير، فإن التفاهم الذي بدأ بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي ينصّ على دمج مؤسسات الإدارة الذاتية، مدنيًا وعسكريًا، ضمن مؤسسات الدولة السورية. ويبدو أن عملية “تبييض السجون”، التي تم الإعلان عنها في أبريل، ليست إلا أولى الخطوات التنفيذية لهذا الاتفاق.
تقول أوساط سياسية مطلعة إن دمشق تسعى إلى استعادة السيطرة الإدارية على مناطق الشمال الشرقي دون معارك، مقابل ضمانات أمنية ولامركزية إدارية تطمئن المكوّن الكردي، الذي بات يجد نفسه مضغوطًا بين النفوذ التركي شرقًا والتفاهمات الأمريكية مع العرب غربًا.
“قسد” بين واشنطن ودمشق
من جانبها، تمرّ “قسد” بمرحلة إعادة تموضع داخلي. فالعلاقة المتوترة مع القبائل العربية، والتململ الشعبي في مناطق الإدارة الذاتية، فضلًا عن التراجع في الدعم الأمريكي منذ تغيّر الإدارة في البيت الأبيض، كلها دفعت قيادات “قسد” إلى البحث عن مخرج توافقي من الأزمة، يكون عبر بوابة دمشق.
ويُعتقد أن مظلوم عبدي، وهو قائد عسكري براجماتي، يرى أن الاتفاق مع حكومة الرئيس الشرع يمنح “قسد” شرعية وطنية ويحول دون انهيار المشروع الكردي في سوريا بعد سنوات من العزلة والضغط.
دلالة تبادل الأسرى بين قسد ودمشق
عملية التبادل التي شملت نحو 470 محتجزًا من الطرفين، جرت في أجواء وصفت بـ”الإيجابية”، وأتت بعد تأجيلها بسبب خلافات داخلية في “قسد” حول الأعداد والمشمولين. هذا ما يفتح الباب أمام سؤال: هل هناك انقسام داخل الإدارة الذاتية بين من يدعم الاندماج مع الدولة ومن يعارضه؟
تشير تحليلات إلى أن بعض تيارات “حزب الاتحاد الديمقراطي” PYD ما زالت تتخوّف من تسليم المكاسب الكردية لحكومة مركزية، فيما تراهن شخصيات أخرى على أن الاتفاق سيوفّر ضمانات دولية ويحمي مناطقهم من الاجتياح التركي المحتمل.
واقعية الشرع في إدارة المرحلة الانتقالية
في المقابل، يبدو أن حكومة الرئيس أحمد الشرع تتعامل مع الملف بواقعية، وهي تسعى إلى سحب الذرائع الدولية للإبقاء على العقوبات، من خلال إظهار استعدادها لتسوية داخلية شاملة، تضم مكونات الإدارة الذاتية ضمن البنية السورية، مع تقاسم المسؤوليات الأمنية والإدارية.
وتتحدث تقارير عن نية دمشق تشكيل إدارات محلية مشتركة في بعض المناطق الخاضعة سابقًا لـ”قسد”، مع إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية فيها بما يُراعي خصوصيات السكان المحليين.
ماذا بعد تبادل الأسرى بين قسد ودمشق؟
تشير الاجتماعات الأخيرة إلى نية الطرفين مواصلة الحوار، وسط تشكيل لجان فرعية مختصة لمتابعة تنفيذ اتفاق 10 مارس، ما يعكس وجود نية سياسية حقيقية – ولو حذرة – لطي صفحة الصراع مع الإدارة الذاتية.
لكن الطريق لا يزال طويلاً، فالتحديات الأمنية، والانقسامات الكردية، وموقف القوى العربية في شرق الفرات، كلها عوامل قد تعرقل تنفيذ الاتفاق حتى النهاية.
سوريا على أعتاب تحوّل داخلي؟
وفق مراقبين أن عملية تبادل الأسرى قد تبدو إنسانية في ظاهرها، لكنها تؤشر إلى تفكك بعض التحالفات السابقة، وإعادة تشكيل خريطة الولاءات والسلطة في الشمال السوري.
وفي لحظة تتراجع فيها الأولويات الأمريكية في المنطقة، وتتموضع فيها تركيا عسكريًا، تظهر بوادر تسوية داخلية سورية قد تعيد رسم حدود التفاهم الوطني – ولو تدريجيًا.
اقرأ أيضًا: قرابة 3500 عنصر.. واشنطن توافق على دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد