تحول استراتيجي في أولويات المشاريع السعودية.. تقليص الميزانيات وتسريع المبادرات
في خطوة تعكس إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية داخل المملكة العربية السعودية، يستعد صندوق الاستثمارات العامة لتقليص ميزانيات بعض المشاريع السعودية للسنة الثانية على التوالي، في ظل ارتفاع الإنفاق الإجمالي.
الموقف السعودي الجديد يأتي ضمن خطة طموحة بقيمة تريليون دولار تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.
تقليص الميزانيات وتسريع المشاريع السعودية
وطلب صندوق الاستثمارات العامة من بعض الشركات التابعة له تقليص الميزانيات المقترحة للعام المقبل بنسبة تصل إلى 20%، بينما قد يتم تسريع تنفيذ بعض المشاريع الأخرى، بحسب مصادر مطلعة تحدثت لوكالة بلومبرج، وطلبت عدم الكشف عن هويتها.
وأشارت هذه المصادر إلى أن الصندوق يراجع أيضًا ميزانيات مشاريع لم يعلن عنها بعد.
ومن المتوقع أن تعرض خطط الإنفاق لعام 2025 الشهر المقبل على مجلس إدارة الصندوق، الذي سيتخذ قرارات نهائية بشأن توزيع الميزانيات وحجم النفقات.
في الوقت نفسه، تسعى بعض المشاريع التابعة للصندوق للحصول على تمويل خارجي لتغطية أي فجوات ناتجة عن تخفيض الميزانية.
اقرأ أيضًا: بتكلفة 22.5 مليار دولار.. أطول مترو بلا سائق ينطلق في السعودية
ماذا قال صندوق الاستثمارات العامة؟
وأكد صندوق الاستثمارات العامة في بيان رسمي أن جميع المشاريع المعلن عنها مسبقًا ستستمر في تلقي التمويل اللازم، مشيرًا إلى زيادة وتيرة ضخ رأس المال لدعم نمو مشاريع وشركات الصندوق.
وأوضح البيان أن الخيارات التمويلية المتاحة تتوسع مع نضوج المشاريع، بما في ذلك الاستثمارات الخاصة وأسواق رأس المال.
تحديات وأولويات جديدة
ويعتبر صندوق الاستثمارات العامة، برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، المحرك الرئيسي لتحقيق رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل.
ومع ذلك، فإن احتمالات تقليص بعض المشاريع تعكس تحولاً في الأولويات في ظل تحديات انخفاض أسعار النفط وتباطؤ تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بعض القطاعات.
وتزامنًا مع هذه التحديات، أصبح من الضروري إعادة تقييم خطط الإنفاق بعد فوز المملكة بحق استضافة سلسلة من الفعاليات العالمية مثل كأس آسيا لكرة القدم 2027، والألعاب الشتوية الآسيوية 2029، ومعرض إكسبو 2030.
كما أن السعودية مرشحة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، ما يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والمرافق.
الحاجة إلى إعادة التقييم
وأشار وزير المالية محمد الجدعان، عضو مجلس إدارة الصندوق، إلى أن إعادة التقييم تهدف إلى تجنب الضغط الزائد على الاقتصاد.
وقال في تصريح له: “لقد وصل الاقتصاد السعودي إلى مرحلة لم يعد فيها تأثره بتقلبات سوق النفط كبيرًا كما كان سابقًا”، موضحًا أن تخفيض ميزانيات مشاريع مثل نيوم يتم ضمن اختصاص الصندوق وليس الحكومة.
تأثير القرارات على المشاريع والشركات
ورغم التأكيد على استمرارية تمويل المشاريع المعلنة، إلا أن تقليص بعض الميزانيات قد يؤثر على الشركات المعنية.
على سبيل المثال، اضطرت إحدى شركات المقاولات الأجنبية إلى تسريح عدد كبير من العمال في نيوم هذا العام نتيجة لتقليص بعض الخطط.
اقرأ أيضًا: التحول الثقافي في السعودية.. رؤية للمستقبل تتشابه مع الانفتاح الصيني
العجز المالي ومصادر التمويل
وتتوقع السعودية تسجيل عجز في الميزانية حتى عام 2027 على الأقل، حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن المملكة تحتاج إلى سعر 98.40 دولار للبرميل لتحقيق التوازن المالي، بينما يقدر خبراء “بلومبرج إيكونوميكس” السعر المطلوب عند 106 دولارات.
وللتعامل مع هذه الفجوات، اعتمدت المملكة وصندوق الاستثمارات العامة على مبيعات الديون، ما يرفع نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى 35% بحلول عام 2030 وفقًا لوكالة “موديز”.
استمرارية المشاريع الأولوية
وأكدت مصادر مطلعة أن المشاريع الرئيسية مثل مدينة الدرعية التاريخية ومركز الترفيه في القدية لا تزال تحظى بالأولوية.
كما أن مشروع مطار الملك سلمان الدولي يخطط لبدء إنشاء أحد مدارج الطيران قبل نهاية العام، ومع ذلك، قد تواجه مشاريع مثل “المربع الجديد” و”نيوم” تعديلات في ميزانياتها.
دعوة لمزيد من الشفافية
ودعا صندوق النقد الدولي إلى زيادة الشفافية بشأن المشاريع السعودية التي تتأثر بتعديلات الإنفاق، مشيدًا في الوقت نفسه بجهود المملكة لضبط الإنفاق والحفاظ على الاستدامة المالية.
كما رفعت وكالة “موديز” التصنيف الائتماني للمملكة، مدفوعة بالتقدم المستمر في تنويع الاقتصاد وتحسن الآفاق للقطاع غير النفطي.