تراجع أم مناورة.. ماذا وراء استجابة الحوثي لدعوة المبعوث الأممي في اليمن؟

في خطوة مفاجئة، أعلنت جماعة الحوثي في اليمن استعدادها لإعادة فتح طريق حيوي يربط بين محافظتي تعز وعدن، وذلك بعد أكثر من عقد على إغلاقه جراء الحرب المستمرة.
وتأتي هذه المبادرة بعد أقل من أسبوع على إعلان فتح طريق رئيسي بين صنعاء وعدن، في ما يبدو أنه رسائل تهدئة جديدة من قبل الجماعة المدعومة من إيران، وسط جهود دولية مكثفة لإحياء مسار التسوية السياسية في اليمن.
فتح الطرق تحرك إنساني أم مناورة سياسية من جماعة الحوثي؟
وبحسب تقارير يمثل فتح الطريق الرابط بين تعز وعدن تطورًا لافتًا، ليس فقط من الناحية الإنسانية، ولكن أيضًا على الصعيد السياسي والعسكري. فالطريق الذي أُغلق منذ عام 2015 بسبب المعارك، تسبب في معاناة آلاف المسافرين الذين اضطروا لسلوك طرق وعرة تستغرق أكثر من 6 ساعات، بدلًا من الطريق السريع الذي لا تتجاوز مدته ساعتين.
وعلى الرغم من الطابع الإنساني للمبادرة، إلا أن توقيت الإعلان، وتزامنه مع تحركات أممية، يطرحان تساؤلات حول دوافع الحوثيين الحقيقية. فالمراقبون يرون في الخطوة جزءًا من مخطط أوسع لتحسين صورة الجماعة داخليًا ودوليًا، ومحاولة للضغط السياسي على الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي، من خلال تقديم أنفسهم كطرف راغب في السلام.
رسالة الحوثي إلى غروندبرغ وواشنطن
جاءت الخطوة الحوثية بعد أيام من دعوة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الأطراف اليمنية إلى “إعادة فتح الطرق الحيوية في مختلف المحافظات لتخفيف معاناة السكان”.
ويُقرأ فتح الطرق كاستجابة متأخرة لدعوات غروندبرغ، لكنها قد تشكل بداية لاختبار نوايا الحوثيين بشأن تنفيذ خارطة الطريق التي أُعلنت في ديسمبر 2023، والتي تتضمن وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وتدابير لتحسين الوضع الإنساني.
غير أن المراقبين لا يستبعدون أن تكون هذه التحركات موجّهة أيضًا للولايات المتحدة، التي كثفت في الأشهر الأخيرة ضرباتها على مواقع حوثية على خلفية الهجمات التي تستهدف الملاحة في البحر الأحمر.
وبحسب تقارير محلية، فإن الغارات الأمريكية الأخيرة تسببت في تدمير عدة موانئ ومرافق حيوية، من بينها مطار صنعاء، ما أفقد الحوثيين مصادر دخل مهمة، وهو ما قد يدفعهم لتغيير تكتيكاتهم مؤقتًا في محاولة لخفض التصعيد.
خطوة الحوثي دوافع عسكرية أم إعادة تموضع في اليمن؟
من الجانب العسكري، يرى البعض أن فتح الطريق بين تعز وعدن – إضافة إلى طريق صنعاء – عدن – لا يخلو من مكاسب استراتيجية للحوثيين، إذ يتيح تحركًا أسرع لمقاتليهم وإمداداتهم بين مناطق الشمال والجنوب، بعد أن تضررت خطوط النقل التقليدية بفعل العمليات العسكرية والغارات الجوية.
ويُرجّح أن الجماعة تقوم بـ”إعادة تموضع تكتيكي” في ظل الضغوط الدولية وضربات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما يفسر، جزئيًا، دوافع فتح الطرق في هذا التوقيت بالذات.
حكومة اليمن تُعلن فتح الضالع بعد قرار الحوثي
في المقابل، أعلنت الحكومة اليمنية، الخميس الماضي، إعادة فتح طريق استراتيجي في محافظة الضالع يربط بين صنعاء وعدن، وهو الطريق الذي ظل مغلقًا لنحو 7 سنوات.
وسارعت جماعة الحوثي إلى إعلان فتح الطريق من جهتها، في ما وصفته وكالة “سبأ” التابعة للجماعة بـ”مبادرة تهدف إلى تخفيف معاناة المواطنين”.
ووفق الإعلام المحلي، فإن إعادة فتح الطريق بين صنعاء وعدن سيسهم في تقليص المسافة إلى 360 كيلومترًا بدلًا من 600، ما من شأنه أن يعيد تنشيط الحركة التجارية والتنقل بين الشمال والجنوب، وإن بشكل حذر.
هذه التحركات الثنائية تفتح الباب أمام ما يمكن اعتباره اختبارًا متبادلًا للنيات، في وقت لا تزال فيه خارطة الطريق الأممية تراوح مكانها، وسط تبادل الاتهامات بين الحكومة والحوثيين بشأن عرقلة تنفيذها.
هل نشهد تحولا في الأزمة اليمنية؟
في ظل هذا السياق، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمثل فتح الطرق من قبل الحوثيين تحوّلًا حقيقيًا في سلوك الجماعة، أم أنه مجرد تكتيك مرحلي ضمن لعبة المفاوضات؟
وفق مراقبون، لا توجد مؤشرات واضحة على أن الجماعة تخلّت عن أدواتها العسكرية أو عن رؤيتها الأحادية للحل السياسي. ومع ذلك، فإن أي خطوة من شأنها تخفيف معاناة اليمنيين وتحسين سبل العيش تستحق الترحيب، بشرط أن تكون جزءًا من مسار مستدام نحو تسوية شاملة، لا مجرد محاولة لكسب الوقت أو تحسين الصورة.
ومع تزايد الحراك الدبلوماسي الدولي، فإن فتح الطرق قد يكون المؤشر الأول على ما إذا كانت النوايا ستُترجم إلى التزامات حقيقية، أم ستبقى رهينة الحسابات السياسية والميدانية لكل طرف.
اقرأ أيضًا: تعليق مؤقت للعقوبات على طهران.. هل يُعجّل باتفاق نووي جديد بين أمريكا وإيران؟