تصاعد المشاعر المعادية لأمريكا في أوروبا بسبب سياسات ترامب

شهدت أوروبا في السنوات الأخيرة زيادة المشاعر المعادية لأمريكا وتحولاً ملحوظاً في مواقف المستهلكين تجاه المنتجات الأمريكية، مدفوعاً إلى حد كبير بسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأفعاله.

لم تعد الولايات المتحدة تحظى بقبول لدى غالبية الدول الأوروبية، وهو تغيير يؤكده تراجع المشاعر العامة الذي يؤثر بشكل مباشر على سلوك السوق. يتجلى هذا الشعور المتزايد المعادي لأمريكا الآن بشكل ملموس، لا سيما في تزايد حملات مقاطعة البضائع الأمريكية.

تصاعد المشاعر المعادية لأمريكا: تأثير سياسات ترامب

أثار نهج الرئيس ترامب في العلاقات الدولية، وخاصة مع أوروبا، ردود فعل سلبية واسعة النطاق في جميع أنحاء القارة.

أثار موقفه العدواني من فرض الرسوم الجمركية، والتشكيك في التحالفات العسكرية، وحتى التلميح إلى مطالبات إقليمية مثيرة للجدل – مثل رغبته في شراء غرينلاند – قلقاً بالغاً لدى الحكومات والمواطنين الأوروبيين على حد سواء.

زادت الحرب في أوكرانيا وتصريحات ترامب بشأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من حدة الاستياء بين الأوروبيين، لا سيما في دول مثل الدنمارك والسويد.

توضح بيانات استطلاعات الرأي الأخيرة عمق هذا الاستياء. فوفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف ونُشر في 4 مارس 2025، لا توجد دولة أوروبية تضم حاليًا أغلبية سكانية تنظر بإيجابية إلى الولايات المتحدة.

شهدت الدنمارك، على وجه الخصوص، انخفاضًا حادًا في المشاعر الإيجابية تجاه الولايات المتحدة، مدفوعًا بجدل الرئيس بشأن جرينلاند.

اقرأ أيضا.. اكتشاف صادم في شوارع إنجلترا.. وثائق عسكرية سرية تُثير مخاوف أمنية

المقاطعات وردود فعل المستهلكين: اتجاه متنامٍ

استجابةً للمناخ السياسي الراهن، لجأ العديد من الأوروبيين إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية كشكل من أشكال الاحتجاج. وظهرت مجموعات على فيسبوك مخصصة لمقاطعة البضائع الأمريكية في جميع أنحاء أوروبا، وجذبت آلاف المتابعين. إحدى هذه المجموعات، “Boykot varer fra USA” في الدنمارك، استقطبت أكثر من 92000 عضو منذ إنشائها في أوائل فبراير 2025.

أوضح بو ألبرتوس، مدير مدرسة دنماركية وأحد مسؤولي المجموعة، أن قراره بتأسيس المجموعة كان مدفوعًا بالإحباط المتزايد من سياسات ترامب وإعلانه عن تفوقه الأخلاقي. وأوضح ألبرتوس أنه ألغى عمدًا جميع خدمات البث الأمريكية لصالح البدائل الأوروبية، وتجنب مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية كجزء من احتجاجه الشخصي.

يتجلى حجم هذه الحركة في بيانات الاستطلاعات. ففي الدنمارك، امتنع ما يقرب من نصف السكان عمدًا عن شراء المنتجات الأمريكية منذ تنصيب ترامب، وفقًا لاستطلاع أجرته شركة Megafon لصالح قناة TV 2 الدنماركية.

في السويد، لا تقل الحركة قوة، حيث أعرب 70% من المشاركين عن ترددهم في شراء المنتجات الأمريكية كتعبير سياسي. وأفادت نسبة كبيرة من السويديين، 19%، بتوقفهم التام عن شراء السلع الأمريكية خلال الشهر الماضي.

ردود أفعال الشركات وتداعياتها الاقتصادية

لم يغب رد فعل المستهلكين عن الشركات الأوروبية. فقد بدأت مجموعة سالينج، أكبر سلسلة متاجر بقالة في الدنمارك، بوضع علامات أسعار إلكترونية على المنتجات المملوكة للأوروبيين استجابةً لتزايد طلب المستهلكين على السلع المحلية.

رغم هذه الجهود، يحذر خبراء مثل تشارلز ألين، كبير المحللين في بلومبرج إنتليجنس، من أن هذه التحولات في سلوك المستهلك قد تستغرق وقتًا حتى تؤثر بشكل كبير على أرباح قطاع التجزئة.

في غضون ذلك، تدرس الشركات الأمريكية، التي تعاني بالفعل من حملات مقاطعة في كندا، المخاطر الأوسع نطاقًا لتوسع الاستياء في أوروبا.

شهدت شركة تسلا، على وجه الخصوص، انخفاضًا حادًا في مبيعاتها في جميع أنحاء القارة، حيث انخفضت بنسبة 45% في يناير، و40% أخرى في فبراير. ويُعزى هذا الانخفاض جزئيًا إلى تصرفات إيلون ماسك وتصريحاته المثيرة للجدل، والتي أثارت احتجاجات واستياءً من المستهلكين في دول مثل ألمانيا.

التأثير الاجتماعي الأوسع: من الاحتجاج إلى تغيير السياسات؟

أدى تصاعد المشاعر المعادية لأمريكا في أوروبا أيضًا إلى اتخاذ شركات ومنظمات إجراءات ملحوظة، حيث اتخذ بعضها موقفًا مناهضًا للسياسات الأمريكية.

ألغت شركات فرنسية مثل Groupe Roy Energie SAS طلبات كبيرة من المنتجات الأمريكية الصنع لصالح البدائل الأوروبية، على الرغم من ارتفاع التكاليف. وبالمثل، في النرويج، أعلنت شركة نفط وشحن علنًا رفضها بيع الوقود للقوات الأمريكية، وهو موقف يتماشى مع تزايد الاستياء من تعامل الإدارة الأمريكية مع الشؤون الخارجية.

ومع أن هذه الإجراءات قد لا تُترجم فورًا إلى عواقب اقتصادية كبيرة، إلا أنها تعكس حركة اجتماعية وسياسية أوسع. بالنسبة للعديد من الأوروبيين، لا تقتصر المقاطعة على خيارات المستهلكين فحسب، بل تهدف أيضًا إلى إرسال رسالة مفادها أن القرارات السياسية يمكن أن يكون لها تداعيات تتجاوز نطاق الحكم.

أقرت جانيك كوهينور، وهي مُعلّمة سويدية ومؤسسة مشاركة لمجموعة “بويكوتا فارور فران يو إس إيه”، بأنه على الرغم من أن التأثير الاقتصادي قد يتأخر، إلا أن الهدف الأساسي هو التأثير على الخطاب العام والسياسات. وقالت: “ربما يُمكننا إحداث تأثير اجتماعي”، مُؤكدةً على قوة الحركات الشعبية في تشكيل الرأي العام وتحدي القرارات السياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى