تصريحات متضاربة وتقييمات مختلفة.. كيف فجَّرت إيران الخلافات داخل إدارة ترامب؟

في مشهد يعكس انقسامًا واضحًا داخل إدارة ترامب، فجّرت التطورات الأخيرة حول إيران سلسلة من التصريحات المتضاربة والتقييمات المتباينة بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات، وسط تصعيد عسكري غير مسبوق شمل ضربات جوية أمريكية على منشآت نووية إيرانية.

ورغم تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن البرنامج النووي الإيراني “تم تدميره بالكامل”، فإن مؤسسات داخل الإدارة، أبرزها البنتاجون ووكالات الاستخبارات، قدمت قراءات مختلفة، خلقت حالة من الجدل السياسي والأمني حول فعالية تلك الضربات وجدوى استئناف المفاوضات مع طهران.

البيت الأبيض يكذب ترامب حول موعد المفاوضات مع إيران

خلال قمة الناتو في لاهاي، فاجأ ترامب الصحفيين بإعلانه عن “محادثات نووية جديدة مع إيران الأسبوع المقبل”، في إشارة إلى استئناف المسار الدبلوماسي الذي توقف منذ عدة أشهر.

لكن البيت الأبيض سرعان ما قلل من شأن هذه التصريحات، حيث أكدت المتحدثة باسمه، كارولين ليفيت، الخميس، أن “واشنطن لا تزال على تواصل غير مباشر مع طهران”، لكنها شددت على “عدم وجود محادثات مجدولة رسميًا في الوقت الراهن”، وهو ما اعتُبر تكذيبًا ضمنيًا للرئيس.

الدبلوماسية المعلقة بسبب الضربات

كان من المقرر عقد جولة سادسة من المحادثات الأمريكية الإيرانية في سلطنة عمان منتصف يونيو، لكن التصعيد العسكري قبيل الموعد أدى إلى إلغاء اللقاء.

فقد نفذت إسرائيل ضربات ضد مواقع إيرانية، تلتها قاذفات أمريكية وجهت أكثر من 12 قنبلة خارقة للتحصينات نحو منشآت في فوردو ونطنز وأصفهان، فجر الأحد، مستهدفة العمود الفقري للبرنامج النووي الإيراني.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أكد لاحقًا في مقابلة مع التلفزيون الحكومي أن “الضربات تسببت في أضرار كبيرة”، لكنه أشار إلى أن بلاده “ما زالت تقيّم خياراتها”، دون أن يقدّم التزامًا بشأن العودة إلى المفاوضات.

تقديرات متضاربة داخل إدارة ترامب حول ضربات إيران

ما فجر الخلاف الحقيقي داخل الإدارة الأمريكية، لم يكن فقط تصريحات ترامب بشأن المفاوضات، بل تقييمه لحجم الأضرار الناتجة عن الضربات، حيث قال إن “البرنامج الإيراني محي بالكامل”، مهاجمًا تقارير استخباراتية وصفها بـ”السطحية”، لكونها تشير إلى أن الضربات ربما أخّرت البرنامج بضعة أشهر فقط.

في المقابل، أوضح وزير الدفاع بيت هيغسيث أن تلك التقديرات “غير دقيقة”، مؤكدًا أن الضربات “دمرت فعليًا القدرات النووية لإيران”، وأن إعادة بنائها ستتطلب “سنوات طويلة”.

هيغسيث ذهب أبعد من ذلك باتهامه وسائل الإعلام الأمريكية بـ”التقليل من نجاح العملية”، مستشهدًا بتقييم مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف، الذي قال إن البرنامج الإيراني “تلقى ضربة قاصمة”.

أين ذهب اليورانيوم المخصب؟

واحدة من القضايا التي عمّقت الخلاف داخل الإدارة الأمريكية تتعلق بمصير 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب، كانت مخزنة في منشآت مستهدفة.

تقارير استخباراتية نُشرت في نيويورك تايمز وفاينانشال تايمز نقلت عن مصادر أوروبية وأمريكية أن جزءًا كبيرًا من هذا المخزون ربما نُقل إلى موقع غير معلوم قبل الضربة.

في المقابل، نفى وزير الدفاع الأمريكي تلقيه أي معلومات تشير إلى نقل المخزون، فيما دعم ترامب هذا الموقف بقوله: “ما شوهد في الموقع كان عمال بناء لا شاحنات تهريب”.

صور أقمار صناعية التقطتها شركة “ماكسار” أظهرت حركة غير اعتيادية أمام منشأة فوردو قبل يومين من القصف، حيث شوهدت عشرات الشاحنات تنتظر على مداخل المنشأة.

خلافات سياسية وأمنية

هذا التباين الحاد في التصريحات بين الرئيس ترامب، ووزارة الدفاع، وأجهزة الاستخبارات، يعكس أزمة داخلية أعمق بشأن كيفية التعامل مع إيران، وأي استراتيجية يمكن أن تؤتي ثمارها: التصعيد العسكري أم العودة إلى طاولة المفاوضات.

وبينما تؤكد واشنطن أن قنوات التواصل مع طهران لم تُغلق، تشير المعطيات إلى أن فرص استئناف المفاوضات تتضاءل، في ظل تصعيد ميداني لم يُستكمل بأية خطوات دبلوماسية عملية حتى الآن.

هل تعود المفاوضات قريبًا؟

في ظل هذا التخبط داخل الإدارة الأمريكية، وغياب موقف موحّد تجاه تقييم نتائج الضربة ومستقبل الحوار، يتساءل مراقبون حول احتمالية أن تعود واشنطن وطهران إلى طاولة المفاوضات قريبًا؟ أم أن الانقسام داخل إدارة ترامب سيُعقّد المسار أكثر؟

اقرأ أيضًا: خطة التطبيع الجديدة تُشعل الخلافات في إسرائيل.. هل يدفع نتنياهو الثمن؟

زر الذهاب إلى الأعلى