رغم تساوي الإنتاج.. لماذا تنفق مصر 30 مليار دولار على الضبعة النووية مقابل 2.5 مليار لمحطة سيمنس؟

تتشابه محطة الضبعة النووية ومحطة سيمنس للكهرباء في القدرة الإنتاجية البالغة 4800 ميجاوات، لكن المفارقة أن تكلفة الضبعة تجاوزت 30 مليار دولار، في حين لم تتجاوز تكلفة محطة سيمنس في بني سويف 2.5 مليار دولار.

فلماذا اختارت مصر أن تتحمل هذه الكلفة الباهظة رغم تساوي ناتج الكهرباء على الورق؟

سيمنس.. إنتاج ضخم في وقت قياسي

نجحت مصر في 2018 في افتتاح ثلاث محطات عملاقة نفذتها شركة سيمنس الألمانية، بقدرة إجمالية بلغت 14.4 جيجاوات، أي 4800 ميجاوات لكل محطة، بتكلفة إجمالية 6.5 مليار يورو (نحو 7.5 مليار دولار).

تكلفة إنشاء المحطة النووية
أحد محطات سيمنس الثلاثة في مصر (سيمنس برس)

وتُعد محطة بني سويف نموذجًا لتلك المحطات، حيث تولّدت بها الكهرباء اعتمادًا على الغاز الطبيعي بتكلفة إنشاء لم تتجاوز 2.5 مليار دولار، وتم تنفيذها في وقت قياسي لم يتعد 3 سنوات.

لكن هذه المحطات تعتمد على الوقود الأحفوري، ما يعني:
•ارتباطها بأسعار الغاز عالميًا.
•عمر افتراضي لا يتجاوز 30 عامًا.
•احتياج دائم لأعمال الصيانة والتموين بالوقود.

تصوير جوي لمحطة سيمنس بني سويف – (سيمنس برس)

الضبعة.. استثمار استراتيجي طويل الأمد

في المقابل، اختارت مصر الدخول إلى النادي النووي عبر مشروع الضبعة، الذي يضم 4 مفاعلات نووية روسية من طراز VVER-1200، بإجمالي قدرة 4800 ميجاوات، وتكلفة تصل إلى 30 مليار دولار، تُموّل جزئيًا بقرض روسي يمتد حتى 22 عامًا.

رغم الفارق الضخم في التكلفة، إلا أن محطة الضبعة تتيح لمصر مزايا لا توفرها المحطات الغازية:
•عمر تشغيل يتجاوز 60 عامًا.
•تكلفة تشغيل منخفضة وثابتة لا تتأثر بأسعار الغاز أو النفط.
•إنتاج مستقر لا يتوقف ليلًا أو نهارًا.
•استقلال طاقي طويل الأجل دون الاعتماد على واردات وقود متقلبة.

رئيس الوزراء يتفقد أعمال تنفيذ محطة الضبعة النووية

مقارنة مباشرة بين الضبعة النووية ومحطة سيمنس الغازية

تتساوى كل من محطة الضبعة النووية ومحطة سيمنس في بني سويف من حيث القدرة الإنتاجية البالغة 4800 ميجاوات، لكن الفروق بينهما تتجاوز مجرد الأرقام.

فمن حيث تكلفة الإنشاء، لم تتجاوز تكلفة محطة سيمنس 2.5 مليار دولار، بينما تقترب تكلفة الضبعة من 30 مليار دولار.

أما على مستوى الزمن اللازم للتنفيذ، فقد أُنشئت محطة سيمنس خلال 3 سنوات فقط، في حين يستغرق تنفيذ الضبعة نحو 10 سنوات.

وتُظهر الفروق الفنية أيضًا تباينًا كبيرًا، فمحطة سيمنس تعتمد على الغاز الطبيعي، ما يجعلها عرضة لتقلبات السوق العالمي، بينما تستخدم الضبعة وقودًا نوويًا منخفض الإثراء يمكن تخزينه بكميات تغطي سنوات، ما يمنحها استقلالًا أكبر.

تركيب وعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل محطة الضبعة
تركيب وعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل محطة الضبعة

كما لا تتجاوز مدة تشغيل محطة سيمنس 30 عامًا، في حين تمتد العمر الافتراضي للضبعة إلى ما يزيد عن 60 عامًا، وهي ميزة محورية في الاستثمارات طويلة الأجل.

من جهة التشغيل، تصل تكلفة إنتاج الميجاوات الواحد في محطة سيمنس إلى نحو 60 – 100 دولار حسب أسعار الغاز، بينما تتراوح تكلفة التشغيل في الضبعة بين 10 – 15 دولار فقط، وهو ما يمنح المحطة النووية تفوقًا كبيرًا من حيث الكفاءة الاقتصادية على المدى البعيد.

كذلك، تُصدر محطة سيمنس انبعاثات كربونية كثيفة نتيجة احتراق الغاز، بينما تُعد الضبعة مشروعًا نظيفًا خاليًا من الانبعاثات، ما يعزز توجه مصر نحو مصادر الطاقة منخفضة الكربون

سيمنس تُغذي.. والضبعة تؤمّن

توفّر محطة سيمنس طاقة سريعة وكبيرة بتكلفة منخفضة، لكنها تبقى رهينة الغاز والتغيرات السوقية.

اقرأ أيضا.. المنطقة الاقتصادية توقع 3 عقود مع الصين لتوطين صناعة الملابس بالقنطرة غرب

أما الضبعة، فرغم كلفتها المرتفعة، إلا أنها تضمن إنتاجًا ثابتًا وآمنًا لعقود طويلة، وتحمي مصر من تقلبات سوق الطاقة، وتضعها على خريطة الدول المالكة للتكنولوجيا النووية السلمية.

تكلفة إنشاء المحطة النووية
من الأقمار الصناعية تظهر أعمال إنشاء محطة الضبعة النووية على شواطئ الضبعة

القرار كان استراتيجيًا بامتياز

اختارت مصر أن تدفع أكثر الآن لتضمن استقلالًا طاقيًا مستقرًا لعشرات السنين، وأن تضع أقدامها في مجال التكنولوجيا النووية، ليس فقط كمستهلك، بل كمُنتِج ومُشغل ومعتمد دوليًا.

روس أتوم تعلن إطلاق مرحلة جديدة لإنشاء المفاعل الثاني بمحطة الضبعة النووية
تصميم المفاعلات النووية بمحطة الضبعة النووية

هذا الفارق بين “السرعة” و”الاستدامة”، بين “السعر” و”الأمان”، هو ما جعل الضبعة تكتسب هذه الأهمية رغم فارق التكلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى