تل أبيب تتعرض لأعنف هجوم منذ 1991.. وإسرائيل تدفع ثمن خطأ تقدير الرد الإيراني

دخل الصراع بين إيران وإسرائيل يومه الرابع بسلسلة جديدة من الهجمات الصاروخية الإيرانية صباح الاثنين، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل في تل أبيب وإصابة ما يقرب من 300 آخرين.
وتمثل هذه الهجمات تصعيدا مُقلقا في صراع أودى بحياة ما لا يقل عن 224 إيرانيا و19 إسرائيليا منذ اندلاع الهجمات الصاروخية أواخر الأسبوع الماضي.
وقد دوت صفارات الإنذار في وسط إسرائيل مع سقوط صواريخ على مناطق سكنية، وسقط أحدها بالقرب من القنصلية الأمريكية في تل أبيب. ووفقا للسفير الأمريكي مايك هاكابي، لم يُصب أي من الموظفين الأمريكيين بأذى، على الرغم من الإبلاغ عن أضرار هيكلية.
وأكدت هيئة الطوارئ الإسرائيلية، نجمة داوود الحمراء، مقتل خمسة مدنيين إسرائيليين – امرأتان ورجلان، جميعهم في السبعينيات من عمرهم، وشخص آخر عُثر عليه تحت أنقاض مبنى في بتاح تكفا. كما أُصيب العشرات.
الأهداف الاستراتيجية والتداعيات المدنية
وأعلنت إيران مسؤوليتها عن إطلاق أكثر من 100 صاروخ ردا على ما وصفته بالهجمات الإسرائيلية “الجارفة” على بنيتها التحتية العسكرية والنووية، وحذر الحرس الثوري الإسلامي الإيراني من أن الضربات المستقبلية ستكون “أكثر قوة وشدة ودقة وتدميرا”.
ردت إسرائيل بضرب 10 مراكز قيادة في طهران تابعة لفيلق القدس، وهي وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن العمليات خارج إيران.
ومع ذلك، ورغم هذه الاشتباكات العسكرية، كانت الخسائر في صفوف المدنيين فادحة. ففي بتاح تكفا، دمرت الصواريخ الإيرانية مبانٍ سكنية، مما أدى إلى تدمير طوابق بأكملها.
تل أبيب تحت القصف.. الأسوأ منذ حرب الخليج
ووصف مراسل شبكة “سي إن إن”، جيريمي دايموند، المشهد في تل أبيب بأنه “أسوأ هجوم صاروخي تواجهه المدينة منذ حرب الخليج عام 1991”.
وسرد السكان لحظات رعب، وهم يختبئون في الملاجئ بينما تساقطت الحطام. وتحدث سكان المدينة عن لحظات رعب عاشوها داخل الملاجئ، بينما انهارت المباني من حولهم، وسط رائحة دخان كثيف وشظايا منتشرة في الشوارع.
قالت إحدى الناجيات: “خرجنا بحذر لأننا كنا نخشى أن ينهار المزيد من المباني”، مؤكدة أن الملاجئ أنقذت الأرواح.
ضربة طهران مدروسة و”فعالة”.. وإسرائيل فشلت في تقدير قدرة إيران على التعافي
ويبدو أن إيران لم تتراجع أمام عملية “الأسد الصاعد” الإسرائيلية الأخيرة، والتي قتلت عددا من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، بمن فيهم قائد سلاح الجو ورئيس الأمن القومي السابق.
وفي تحليل للوضع العسكري، قال تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، لشبكة “سي إن إن” إن إسرائيل “استخفت بقدرة إيران على إعادة تنظيم صفوفها بسرعة والرد بقوة ودقة.
وتُظهر هذه الهجمات مستوى من الاستعداد العسكري لم يتوقعه سوى القليل في المنطقة، أو في المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية”، وذلك بعد استهداف كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في عملية “الأسد الصاعد”.
ووفقًا لبارسي، فإن فشل الاستخبارات الإسرائيلية في توقع رد إيراني سريع ومنسق كهذا قد يكون له عواقب بعيدة المدى على توازن القوى في المنطقة.
وأشار بارسي إلى أن إيران أعادت هيكلة أنظمة القيادة والتحكم لديها بسرعة غير متوقعة، وأن “صواريخها أثبتت فاعليتها في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية متعددة الطبقات”. وهذه القدرة، بحسب رأيه، تمثل تحولا مقلقا في التوازن العسكري بالمنطقة.
رسالة إيران: قوة ودقة وتحذير
وأعلنت طهران مسؤوليتها الكاملة عن إطلاق الصواريخ، ووصفت وسائل إعلام ومسؤولون عسكريون إيرانيون الضربات بأنها “أسلوب حرب جديد”، مشيدة بدقة معززة وقدرات استهداف متطورة.
وأكد القادة الإيرانيون أن هذا العمل كان “ردا مدروسا ومشروعا” على الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية قبل أيام.
قلق متصاعد.. فرار من طهران واستعداد في إسرائيل
ويتردد صدى الصراع في كلا البلدين؛ ففي طهران، اصطف السكان المذعورون في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، سعيا للفرار من العاصمة.
ومع مقتل أكثر من 200 شخص في الغارات الجوية الإسرائيلية – معظمهم من المدنيين – يتجه العديد من الإيرانيين شمالا نحو المناطق الريفية المطلة على بحر قزوين. إلا أن ازدحام الطرق ونقص ملاجئ الطوارئ جعل الملايين في خطر. وقال أحد سكان طهران: “لا توجد ملاجئ في المدينة بأكملها. الناس في حالة ذعر”.
وفي إسرائيل، تتضح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية. فقد تضررت شبكة الكهرباء الوطنية في المناطق الوسطى بشكل خطير، حيث سارعت فرق الطوارئ إلى تحييد المخاطر الكهربائية وإعادة التيار الكهربائي.
تحذيرات متبادلة واستعداد لمرحلة أكثر عنفا
في تصعيد لفظي جديد، توعد وزير الدفاع بحكومة الاحتلال الإسرائيلي سكان طهران بأنهم “سيدفعون الثمن، وقريبا”. وفي الوقت نفسه، وجهت طهران تحذيرا لسكان إسرائيل القاطنين قرب المواقع العسكرية والعلمية، في انعكاس لحالة من التصعيد المتبادل تزداد عنفا يوما بعد يوم.
التكلفة البشرية والتداعيات العالمية
ويتسبب تبادل إطلاق الصواريخ بين القوتين الإقليميتين في وضع إنساني متفاقم. وتستمر جهود الإنقاذ في مدن مثل حيفا، حيث أفادت التقارير بسحب جثث إضافية من تحت أنقاض المباني المنهارة. ولا يزال المئات في المستشفيات.
اقرأ أيضا.. أزمة طاقة عالمية على الأبواب.. هل تستخدم إيران موقعها الجغرافي لتهديد أمن النفط؟
ورغم إعلان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي استعداد بلاده لوقف الهجمات إذا أوقفت إسرائيل ضرباتها، فإن الواقع الميداني لا يبشر بأي تهدئة قريبة. وتؤكد التصريحات الإسرائيلية أن إيران تستهدف المدنيين بشكل مباشر، في حين تصر طهران على الرد على كل ضربة بالمثل.
في حين يراقب المجتمع الدولي بقلق، تلوح في الأفق إمكانية زعزعة الاستقرار على نطاق أوسع في الشرق الأوسط. ويحذر المحللون من أنه بدون تدخل دبلوماسي أو جهود لتهدئة التصعيد، قد يتحول تبادل الضربات الحالي إلى حرب إقليمية أوسع نطاقًا بكثير.