ثقة المصريين بالخارج.. لماذا ارتفعت تحويلات النقد الأجنبي لصالح مصر؟

شهدت تحويلات المصريين المقيمين بالخارج طفرة لافتة مع بداية عام 2025، حيث سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق لشهر يناير، لتصل إلى 2.9 مليار دولار بزيادة سنوية نسبتها 83.2%، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
ما الأسباب الحقيقية وراء هذا الارتفاع القياسي لتحويلات المصريين بالخارج؟
أولًا: تعويم الجنيه أعاد الثقة وقلّص السوق الموازية
التحول الجذري في سلوك تحويل الأموال بدأ منذ قرار البنك المركزي في مارس 2024 بتعويم الجنيه المصري بالكامل، هذا القرار أعاد التنافسية لقنوات التحويل الرسمية بعد سنوات من استحواذ السوق الموازية (السوداء) على جزء كبير من تدفقات تحويلات العاملين بالخارج.
النتيجة كانت مباشرة:
انتهاء الفجوة السعرية الكبيرة بين السوق الرسمية والموازية
عودة التحويلات لقنواتها الشرعية
استقرار سعر الصرف، مما طمأن المصريين بالخارج على قيمة مدخراتهم.
ثانيًا: سياسة سعر صرف مرنة ومستقرة
بحسب الخبيرة الاقتصادية منى بدير، فإن استقرار سعر الصرف المرن ساهم في امتصاص الصدمات الخارجية وإعادة بناء الثقة، وأضافت في تصريحات صحفية أن استمرار التزام الحكومة بهذه السياسة ساعد في تعزيز تدفقات العملات الأجنبية، وخلق حوافز للمصريين بالخارج لضخ أموالهم في القنوات الرسمية دون قلق من الخسائر أو انخفاض قيمة العملة.
ثالثًا: مؤشرات اقتصادية إيجابية في الداخل
عززت الإصلاحات الاقتصادية في مصر ثقة المصريين في الخارج في أداء الاقتصاد المحلي، وتشير البيانات إلى أن تحسن مؤشرات التضخم والاحتياطي النقدي وميزان المدفوعات لعبت دورًا في إقناع المهاجرين بزيادة تحويلاتهم لذويهم أو للاستثمار في الداخل.
وخلال السبعة أشهر الأولى من العام المالي 2024/2025، بلغت التحويلات نحو 20 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 81%، ما يعكس استمرار الأداء القوي.
التوقعات بدفعة أقوى خلال 2025
تتوقع مؤسسة مورجان ستانلي أن تبلغ تحويلات المصريين بالخارج 32 مليار دولار بنهاية العام المالي الحالي، وهو رقم يتجاوز مستويات ما قبل أزمة 2022، ويقترب من الذروة المسجلة في 2020/2021 (والتي بلغت 31.4 مليار دولار)، وهذا يدل على وجود زخم مستدام سيستمر على الأرجح في الأشهر المقبلة، خصوصًا مع بداية استقرار الاقتصاد العالمي.
أهمية التحويلات في الاقتصاد الكلي
تحوّلت تحويلات المصريين بالخارج إلى ركيزة استراتيجية في الاقتصاد المصري، إذ:
تمثل 8% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في 2024، مقارنة بـ5% فقط في 2023.
تشكل نحو 35% من إجمالي تدفقات الحساب الجاري، ارتفاعًا من 25% في العام السابق.
هذا الدور الحيوي عزز من أهمية هذه التحويلات، وخلق بيئة تنظيمية ومالية مشجعة لاستمرار ارتفاعها.
تحذيرات مستقبلية.. النفط والتوظيف الخليجي
رغم التفاؤل، يحذر الخبراء من تأثيرات محتملة للحرب التجارية وتقلبات أسعار النفط على تحويلات المصريين، خاصة أن أكثر من نصف هذه التحويلات تأتي من دول الخليج.
بحسب الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح، فإن أي تراجع في أسعار النفط قد يؤثر على معدلات التوظيف والمشروعات في الخليج، ما قد ينعكس سلبًا على تدفقات المصريين العاملين هناك.
اقرأ أيضًا.. الصين تتصدر.. استحواذات واسعة على الذهب بعد خسائر الدولار بسبب رسوم ترامب
كما أن خطط تنويع الاقتصاد في دول الخليج قد تدفع بعض الدول إلى إعادة تقييم توظيف العمالة الأجنبية، وهو ما يشكل تحديًا مستقبليًا يجب مراقبته.
التحويلات ترتفع لأن الثقة عادت
ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج ليس صدفة ولا طفرات مؤقتة، بل هو نتاج مباشر لاستعادة الثقة في السياسة النقدية، ونجاح الدولة في القضاء على السوق السوداء، وتقديم سعر صرف واقعي ومرن.
وبينما يبقى المستقبل مرهونًا بالظروف الجيوسياسية وأسعار النفط، إلا أن كل المؤشرات الحالية تشير إلى أن 2025 قد يكون عامًا ذهبيًا لتحويلات المصريين في الخارج، ما يعزز الاستقرار المالي ويدعم الاقتصاد الوطني في واحدة من أكثر المراحل حساسية.