جدل “خور عبدالله” يتجدد في العراق.. هل تُعيد بغداد النظر في ترسيم حدودها مع الكويت؟

تجدد الجدل السياسي والشعبي في العراق حول اتفاقية “خور عبدالله” البحرية مع الكويت، بعد أن أعادت الحكومة العراقية ملف الاتفاقية إلى مجلس النواب لمراجعته مجددًا.
هذه الخطوة تعكس تصاعد الضغوط الداخلية لإعادة النظر في اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي ظلّ لسنوات يشكل إحدى أبرز القضايا الشائكة في العلاقات الثنائية بين البلدين.
خور عبد الله اتفاقية معلّقة وسط ضغوط الشارع وقرار المحكمة
الحكومة العراقية أكدت في بيان رسمي أن الرئاسات الثلاث – رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني – ناقشوا مصير الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان العراقي عام 2013 بموجب القانون رقم 42، لتنظيم الملاحة في خور عبدالله.
وأوضحت الحكومة أن المحكمة الاتحادية العليا قضت في العام 2023 بعدم دستورية قانون التصديق، بسبب عدم تحقق النصاب الدستوري اللازم لمصادقة البرلمان على المعاهدات الدولية، بحسب المادة 61 من الدستور.
في ضوء ذلك، اتفق الرؤساء الثلاثة على ضرورة إعادة طرح الاتفاقية للتصويت مجددًا وفق الأطر التشريعية السليمة، مع التأكيد على التزام العراق بالاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
رفض شعبي لـ اتفاقية خور عبد الله
التطورات السياسية تزامنت مع تصاعد الحراك الشعبي الرافض للاتفاقية، حيث نظم عشرات الناشطين وأعضاء من البرلمان العراقي وقفة احتجاجية في بغداد خلال أبريل الماضي، رفعوا خلالها شعارات ترفض ما وصفوه بـ”التنازل عن خور عبدالله”، واعتبروا الاتفاقية انتهاكًا للسيادة الوطنية.
وطالب المتظاهرون الحكومة بعدم تمرير الاتفاقية دون مراجعة الخرائط والوثائق المقدمة للأمم المتحدة، في حين يرى بعض النواب أن اتفاق الملاحة يضر بمصالح العراق ويقيد قدرته على الوصول إلى المياه الإقليمية في الخليج العربي.
تأجيل محتمل إلى ما بعد الانتخابات
النائب العراقي معين الكاظمي أكد في تصريحات متلفزة، أن البرلمان قد يرجئ البت في الاتفاقية إلى ما بعد الانتخابات المقبلة المقررة في 11 نوفمبر، معتبرًا أن “حسم هذا الملف يجب أن يتم من خلال ممثلي الشعب، لا عبر قرارات إدارية”.
وأشار الكاظمي إلى أن هناك اعتراضات على الاتفاقية الحالية بسبب قرب ميناء الفاو الكبير من خور عبدالله، ما قد يؤدي إلى تقييد العراق بحريًا، في حين تمتلك الكويت منفذًا أوسع على الخليج.
وأضاف أن العراق كان يتولى مسؤولية الحماية والملاحة في الخور لعقود، ولا يرى مبررًا للتنازل عن هذه المسؤوليات الحيوية.
صمت رسمي في الكويت
حتى الآن، لم تصدر الحكومة الكويتية موقفًا رسميًا إزاء إعادة العراق للاتفاقية إلى البرلمان. لكن وسائل الإعلام الكويتية أولت القضية اهتمامًا ملحوظًا، إذ عنونت صحيفة “الأنباء” تقريرها بـ”العراق: اتفاق على حسم مصير خور عبدالله في مجلس النواب”، بينما كتبت “القبس”: “العراق يعيد اتفاقية خور عبدالله مع الكويت لمجلس النواب لحسم مصيرها”.
كما نقلت صحيفة “الأنباء” عن السفير العراقي لدى الكويت، المنهل الصافي، أن اللجنة الفنية والقانونية لترسيم الحدود البحرية ستجتمع في الكويت نهاية الأسبوع المقبل، ما يعكس استمرار التنسيق رغم التوترات السياسية.
ماذا تعرف عن خور عبد الله؟
خور عبدالله يُعد من أبرز الممرات المائية في شمال الخليج العربي، ويقع بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد نحو ميناء أم قصر في البصرة عبر خور الزبير.
وتستند الاتفاقية البحرية بين العراق والكويت إلى قرار مجلس الأمن رقم 833 الصادر عام 1993، والذي نصّ على ترسيم الحدود بعد اجتياح العراق للكويت في 1990.
في عام 2012، وقع البلدان اتفاقًا لتنظيم الملاحة في الممر البحري، وتمت المصادقة عليه في العراق عام 2013. لكن قرار المحكمة الاتحادية العراقية عام 2023 أعاد الملف إلى دائرة الجدل، وسط دعوات لمراجعته أو إعادة التفاوض حوله.
هل تمضي بغداد نحو تعديل الاتفاقية؟
تزايد الحديث داخل الأوساط السياسية العراقية عن إمكانية تعديل الاتفاقية أو حتى إلغائها، خصوصًا في ظل قرب الانتخابات وارتفاع الأصوات المعارضة لأي تنازل بحري. إلا أن هذا الخيار قد يصطدم بالواقع الدولي والقرارات الأممية الملزمة للعراق، ما يضع الحكومة العراقية أمام تحدي التوازن بين الضغط الداخلي والالتزامات الخارجية.
وفي هذا السياق، يحذر مراقبون من أن أي خطوة متسرعة قد تؤدي إلى توتر جديد مع الكويت أو تفتح الباب أمام نزاع حدودي قد يستنزف علاقات البلدين، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى مزيد من الاستقرار.
اختبار جديد لعلاقات بغداد والكويت
الجدل المتجدد حول خور عبدالله يضع العلاقات العراقية الكويتية أمام اختبار جديد. فبينما تسعى بغداد للحفاظ على سيادتها وتلبية مطالب الداخل، فإنها مطالبة أيضًا بالالتزام بالمواثيق الدولية لتجنب أي تصعيد دبلوماسي أو قانوني.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يبقى مصير الاتفاقية معلقًا في البرلمان، بانتظار قرار قد يعيد رسم حدود العراق البحرية أو يعيد تثبيت اتفاق مضى عليه أكثر من عقد.