جدل في العراق بعد منع اللغة الكردية.. هل تنقلب حكومة بغداد على النظام الاتحادي؟

تصاعدت حدة الجدل السياسي والقانوني في العراق، عقب قرار أصدرته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الاتحادية، يقضي بمنع استخدام اللغة الكردية في التدريس ووضع الأسئلة الامتحانية داخل عدد من الجامعات العراقية، وتحديدًا في محافظات نينوى وكركوك وديالى.

القرار أثار موجة استنكار حادة في الأوساط السياسية والشعبية الكردية، وفتح الباب أمام تساؤلات جدّية حول مستقبل التعددية الثقافية وشكل العلاقة بين بغداد وأربيل في ظل النظام الاتحادي الذي أُقرّ بعد 2003.

رفض كردي وتحذير من خرق الدستور

في بيان لها، عبرت النائبة عن محافظة كركوك، ديلان غفور، عن رفضها القاطع لقرار الوزارة، مؤكدة أنه “يتعارض مع نصوص الدستور العراقي ويعد انتهاكًا واضحًا لحقوق المكونات”.

وأشارت بحسب وسائل إعلام عراقية إلى أنها ناقشت الموضوع مع وزير التعليم العالي، الذي وعد بمراجعة القرار وإيجاد حل يحفظ حق الطلبة في استخدام لغتهم الأم.

وأضافت غفور: “حوالي 50% من طلبة جامعة كركوك يتحدثون اللغة الكردية، ومن حقهم القانوني والدستوري أن يُسمح لهم بالإجابة بالكردية. وقد تم الاتفاق مبدئيًا على الاستمرار بالآلية السابقة إلى حين تسوية الموضوع نهائيًا”.

انتهاك المادة الرابعة من الدستور

ينص الدستور العراقي في مادته الرابعة على أن اللغة الكردية، إلى جانب العربية، تُعد لغة رسمية للبلاد. كما يضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم بلغاتهم الأم كالتركمانية والسريانية والأرمنية.

ورغم وضوح هذا النص، فإن وزارة التعليم العالي العراقية أكدت في توجيهها أن التدريس داخل القاعات الجامعية، وكذلك وضع أسئلة الامتحانات، يجب أن يتم باللغة العربية حصراً.

وبرّرت الوزارة قرارها بأن اللغة الكردية ليست ضمن اللغات المعتمدة في التعليم الجامعي، وهو ما أثار ردود فعل اعتبرتها “تفسيراً سياسياً متحيزاً” يخالف روح الدستور ويقصي مكوناً أساسياً من مكونات العراق.

تحذير رسمي من إقليم كردستان

من جانبها أداتت وزارة التعليم العالي في حكومة إقليم كردستان القرار، مؤكدة أنه “انتهاك مباشر للدستور العراقي ويتناقض مع مبادئ التعايش المشترك”.

وجاء في بيانها: “إقصاء اللغة الكردية من الجامعات العراقية، خاصة في المناطق المختلطة، لا يهدد فقط التنوع اللغوي، بل يزعزع أسس التعايش في دولة يفترض أنها اتحادية متعددة المكونات”.

وطالبت الوزارة الحكومة الاتحادية بإلغاء القرار فوراً، والعمل على تحويل مؤسسات التعليم العالي إلى فضاءات تحترم الثقافات واللغات والعادات المحلية دون تمييز.

تحذير أكاديمي من تداعيات القرار

في موقف موازٍ، أصدر عدد من الأكاديميين والناشطين الكرد نداءً مشتركًا وصفوا فيه قرار المنع بأنه “تجاوز قانوني وانتهاك صارخ للدستور”، مؤكدين أن “أي محاولة لتقييد اللغة الكردية في المناطق المتنازع عليها تمس أسس التوازن المجتمعي وقد تؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها”.

وأكد الموقعون أن مدنًا مثل كركوك والموصل وديالى تشكل بيئة حساسة، وأي إجراءات تمييزية فيها، خصوصًا في ما يتعلق بالهوية اللغوية والثقافية، من شأنها إعادة إنتاج التوتر وتهديد الاستقرار.

جذور الخلاف أبعد من اللغة

وفق مراقبون فلا يُنظر إلى قرار منع استخدام اللغة الكردية في الجامعات العراقية كمسألة تعليمية فقط، بل كجزء من سلسلة من الخلافات المزمنة بين بغداد وأربيل. فالعلاقات بين الجانبين لطالما شابها التوتر، خصوصًا في ثلاث قضايا رئيسية يتقدمها الملف النفطي والموازنة  حيث تتجدد الخلافات سنوياً بشأن حصة الإقليم من الموازنة العامة وصادرات النفط.

إضافة إلي المناطق المتنازع عليها: وأبرزها كركوك، حيث تتصادم رؤية المركز مع مطالب الإقليم حول الهوية الإدارية والأمنية للمحافظة والتمثيل السياسي والمشاركة في القرار الاتحادي: حيث يشعر الأكراد أحياناً بتهميش متصاعد.

هل ينقلب النظام الاتحادي؟

يُعد النظام الاتحادي في العراق، الذي تم ترسيخه بعد 2003، نتيجة تفاهم تاريخي بين القوى العراقية، وخاصة العرب والأكراد، لإقامة دولة متعددة المكونات تحفظ الحقوق الثقافية والإدارية والسياسية للجميع.

لكن قرارات من هذا النوع تثير الشكوك حول مدى التزام بغداد بروح هذا النظام، خصوصًا في ظل تصاعد النزعة المركزية وغياب مسارات واضحة لتسوية الخلافات.

ويخشى مراقبون أن يؤدي تكرار مثل هذه الإجراءات إلى تقويض أسس التفاهم الوطني والعودة إلى أجواء التوتر والانقسام.

اقرأ أيضا.. إمبوكس يضرب إفريقيا.. حكاية فيروس يهدد العالم من القارة السمراء

زر الذهاب إلى الأعلى