حرب أوكرانيا المستمرة.. كيف تلاعب مبعوث بوتين بأمريكا بخصوص وقف إطلاق النار؟

التقى كيريل دميترييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمسؤولين أمريكيين في البيت الأبيض، مما اثار تساؤلات مهمة حول نهج إدارة ترامب تجاه حرب أوكرانيا المستمرة.

سلط دميترييف، المفاوض الرئيسي عن موسكو ورئيس صندوق الثروة السيادية الروسي الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، الضوء على زيارته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن الولايات المتحدة رحّبت بمسؤول روسي كبير، يخضع لعقوبات. إلا أن تفاصيل ما نوقش خلال الزيارة لا تزال غير واضحة.

إعلان

دور دميترييف واستراتيجية بوتين

يلعب دميترييف، المولود في كييف خلال الحقبة السوفيتية وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة في جامعتي ستانفورد وهارفارد، دورًا محوريًا في الحفاظ على العلاقات بين روسيا وإدارة ترامب. كُلِّف ديميترييف بمهمة الحفاظ على تأييد الرئيس الأمريكي في خضم الصراع الدائر في أوكرانيا.

اعتمد ديميترييف، باتباع نهج الكرملين الراسخ، على إلقاء اللوم في عدم إحراز تقدم في محادثات السلام على قوى خارجية. ووفقًا لديميترييف، فإن “قوى” عديدة تُعيق الحوار عمدًا وتُشوِّه موقف روسيا.

وألمح ديميترييف إلى أن هذه “القوى” تشمل أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين. ويعكس تصريحه الرواية الروسية الأوسع التي لا تزال تُصوِّر الوضع على أنه وضعٌ تدفع فيه الجهات الخارجية، وخاصة الغرب، نحو التصعيد بدلًا من السلام.

يُذكِّر خطاب ديميترييف بكيفية تصوير موسكو للصراع باستمرار: كصراع من أجل الأمن القومي والسيادة، بينما تُلقي باللوم على الآخرين في إطالة أمد الحرب.

وقف إطلاق النار: هدف بعيد المنال

لم يتحقق مفهوم وقف إطلاق النار، الذي توسطت فيه إدارة ترامب، بأي شكلٍ من الأشكال. وُصف وقف إطلاق النار، الذي أُعلن عنه في مارس 2025، بأنه حلٌّ قصير الأجل، يُركّز في المقام الأول على وقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة والعمليات البحرية في البحر الأسود.

إلا أن الواقع على الأرض يُظهر صورةً مختلفة. فالهجمات لا تزال مستمرة، حيث يتبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك الاتفاق المحدود.

يُجادل البروفيسور فيليبس أوبراين، الخبير في الدراسات الاستراتيجية بجامعة سانت أندروز، بأن الاتفاق لم يكن يومًا وقفًا حقيقيًا لإطلاق النار.

يوضح أن وقف إطلاق النار الحقيقي يتطلب وقف القتال على طول خط المواجهة بأكمله، وليس فقط أجزاءً محدودة من الصراع. ويشير أوبراين إلى أن استمرار قصف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا يُؤكد غياب الالتزام الحقيقي بالسلام.

تُبدي أوريسيا لوتسيفيتش، رئيسة منتدى أوكرانيا في تشاتام هاوس، تشككًا مماثلًا. وتجادل بأن شروط روسيا لوقف إطلاق النار، مثل المطالبة بتخفيف العقوبات، تُظهر عدم جدية موسكو في تحقيق السلام.

وفقاً للوتسيفيتش، تُركز الحكومة الروسية على استخدام المفاوضات لخدمة مصالحها الخاصة، مثل التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، أكثر من تركيزها على إنهاء الصراع.

اقرأ أيضًا: كيف وحدت رسوم ترامب الجمركية العالم ضد أمريكا ؟ نظام تجاري عالمي جديد  

صراع أوكرانيا على الدعم

بالنسبة لأوكرانيا، تُعدّ مناقشات وقف إطلاق النار مسألة وجودية. تحاول الحكومة في كييف الموازنة بين حاجتها إلى استمرار الدعم العسكري من الولايات المتحدة والواقع الدبلوماسي للمفاوضات.

أعرب المسؤولون الأوكرانيون، بمن فيهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مراراً وتكراراً عن شكوكهم في نوايا روسيا. على الرغم من ذلك، تُمارس كييف دبلوماسية حذرة، مُحاولةً الحفاظ على دعم الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، تُدين علناً أفعال روسيا.

تواصلت الاتهامات بانتهاكات روسيا لوقف إطلاق النار، حيث اتهمت أوكرانيا مؤخراً القوات الروسية بقصف البنية التحتية للطاقة في خيرسون، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن الآلاف. وقد عززت هذه الحادثة، وحوادث أخرى مماثلة، اعتقاد أوكرانيا بأنه لا يُمكن الوثوق بروسيا في الوفاء بأي اتفاق.

دور الولايات المتحدة: لعبة خطيرة؟

كان نهج إدارة ترامب تجاه وقف إطلاق النار ومحادثات السلام الأوسع نطاقًا موضع خلاف. ففي حين أقرّ الرئيس ترامب بأن روسيا قد “تتلكأ” في كسب المزيد من الأراضي، يعتقد العديد من المراقبين أن تركيز الإدارة الأمريكية قد انحرف نحو تحقيق مصلحة روسيا، بدلاً من تشجيع سلام عادل ودائم.

استخدمت إدارة ترامب مزيجًا من الحوافز والضغوط لمحاولة جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، يجادل المنتقدون بأن الولايات المتحدة كانت أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات لروسيا، مثل التعاون الاقتصادي المحتمل، في حين ضغطت على أوكرانيا لقبول شروط أقل ملاءمة.

أثار هذا الوضع مخاوف بين المحللين، مثل ريتشارد هاس، الدبلوماسي الأمريكي السابق. وأشار هاس إلى أن نهج إدارة ترامب قد يقوض في نهاية المطاف آفاق السلام المستدام من خلال ترجيح كفة الميزان لصالح روسيا.

مع استمرار الصراع، يتزايد الإجماع على أن الولايات المتحدة لم تُبدِ إلحاحًا أو رغبةً في اتخاذ إجراء حاسم لإنهاء الحرب.

تأثير دميترييف على السياسة الأمريكية

لم تمرّ زيارة دميترييف للولايات المتحدة ودوره كشخصية رئيسية في المفاوضات الروسية مرور الكرام. تشير تعليقاته، لا سيما تلك التي أدلى بها للقسم الروسي في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إلى أن روسيا تحاول استغلال وقف إطلاق النار كوسيلة ضغط لتعزيز مصالحها الاقتصادية والعسكرية.

ألمح دميترييف إلى تعاون محتمل بين الولايات المتحدة وروسيا في مشاريع تعدين المعادن النادرة، وهي خطوة قد تُقوّض جهود ترامب لفرض عقوبات على روسيا.

كما أشار المحللون، فإن تكتيكات روسيا في مفاوضات أوكرانيا ليست جديدة. وللكرملين تاريخ في استخدام اتفاقيات وقف إطلاق النار لكسب الوقت والمساحة في ساحة المعركة، كما رأينا في صراعات سابقة في أماكن مثل سوريا ومينسك.

يعكس دور دميترييف كمفاوض لبوتن استراتيجية موسكو المتمثلة في استخدام المحادثات الدبلوماسية لتعزيز أهدافها العسكرية والجيوسياسية، بدلاً من السعي إلى حل حقيقي للصراع.

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى