حرب نتنياهو على غزة ومعركته ضد خصومه في الداخل.. الطريق إلى الاستبداد

تقف إسرائيل مجددًا عند مفترق طرق، إذ يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تحقيق أجندة مزدوجة، تتمثل في شن حرب على غزة، وفي الوقت نفسه تفكيك المؤسسات الديمقراطية في البلاد.

ووفقا لمقال ألوف بن هو رئيس تحرير صحيفة هآرتس، أشعلت تحركاته العسكرية ومناوراته السياسية الأخيرة احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، حيث خرج آلاف الإسرائيليين إلى شوارع تل أبيب والقدس.

يُعيد نهج نتنياهو رسم مستقبل إسرائيل، ويدفعها نحو الاستبداد، ويُخاطر بحياة الرهائن المحتجزين في غزة، ويُعمّق الانقسامات الداخلية.

هجوم متجدد على غزة

في 18 مارس 2025، أمر نتنياهو باستئناف الغارات الجوية على غزة، منتهكًا بذلك وقف إطلاق نار دام شهرين مع حماس.

وُصفت الهجمات بأنها إجراءات ضرورية “لسحق حماس نهائيًا”، لكنها تُسلط الضوء أيضًا على الهدف الاستراتيجي الأساسي المتمثل في نقل الفلسطينيين من غزة – وهي سياسة سبق أن تبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

اكتسبت فكرة نقل سكان غزة، وهي سياسة لطالما اعتُبرت متطرفة، زخمًا بدعم ضمني من الإدارة الأمريكية الحالية. وقد تبنت حكومة نتنياهو، مدعومة بحلفائها من اليمين المتطرف، هذا الموقف المثير للجدل، حيث قاد وزير الدفاع إسرائيل كاتس جهودًا لتسهيل ما يسميه “الهجرة الطوعية” من غزة.

في حين أن الإجراءات الحالية التي يتخذها جيش الدفاع الإسرائيلي لم تدع صراحةً إلى التطهير العرقي، إلا أن الخطاب المحيط بنقل الفلسطينيين أثار قلقًا دوليًا، لا سيما بين منظمات حقوق الإنسان التي تعتبر الاقتراح انتهاكًا للقانون الدولي.

مع ذلك، فإن نتنياهو وأعضاء ائتلافه اليميني المتطرف يعتبرون هذه السياسة ردًا ضروريًا على هجمات حماس في 7 أكتوبر، والتي أودت بحياة مئات الإسرائيليين والأجانب.

اقرأ أيضا.. سيل اكتشافات من تلسكوب إقليدس الفضائي.. كتالوج مفصل لـ380 ألف مجرة

تطهير المنافسين وتعزيز قبضته على السلطة

على الصعيد الداخلي، يخوض نتنياهو حربًا سياسية، بهدف إعادة تشكيل الديمقراطية الإسرائيلية وتحويلها إلى نظام أكثر استبدادًا. بعد تهميشه للنخب السياسية التقليدية، يُركز نتنياهو على ترسيخ سلطته في أيدي موالين له.

آخر أهدافه: مجمع الاستخبارات الدفاعية والقضاء. تُعتبر جهود رئيس الوزراء لاستبدال شخصيات رئيسية، مثل النائب العام غالي بهاراف ميارا ورئيس الشاباك رونين بار، بمثابة خطوات لإضعاف الضوابط المفروضة على سلطته وتجاهل أي تحديات تواجه بقائه السياسي.

تتشابك دوافع نتنياهو الشخصية مع أهدافه السياسية. فقد أصبح بهاراف ميارا، الذي يقود الادعاء في محاكمة نتنياهو بتهم الفساد، وبار، الذي يحقق في علاقات مالية محتملة بين مقربين من نتنياهو وقطر، شخصيتين رئيسيتين في مساعيه للحفاظ على السلطة.

جادل رئيس الوزراء بأن كلاً من بهاراف ميارا وبار جزء من مؤامرة أوسع نطاقاً لتقويض قيادته وصرف الانتباه عن جهوده الحربية. ويأمل نتنياهو، من خلال استبدال هذه الشخصيات بموالين، في ترسيخ منصبه، وبالتالي تحييد المعارضة.

التهديد المتزايد للاستبداد

تتمثل رؤية نتنياهو لمستقبل إسرائيل في إعطاء الأولوية لترسيخ السلطة داخل ائتلاف يميني، يضم قوميين متدينين وحاخامات متشددين وأنصاره المخلصين. وقد بدأ تحوّل البلاد من ديمقراطية شبه ليبرالية إلى نظام استبدادي يتبلور بالفعل، مع تجريد القضاء من استقلاليته وتزايد تشتت المعارضة السياسية.

اندلعت الاحتجاجات ردًا على محاولات نتنياهو تقويض القضاء وتجاوز الضمانات الديمقراطية، إلا أن مناورات رئيس الوزراء السياسية، بما في ذلك تحالفه مع جماعات اليمين المتطرف، وضعت هذه الاحتجاجات في وضع حرج للغاية.

الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي

أبرزت الحرب الدائرة في غزة ومناورات نتنياهو السياسية انقسامات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي. فبينما يؤيد بعض الإسرائيليين موقف رئيس الوزراء العدواني تجاه غزة، يخشى آخرون، لا سيما في القطاعين العلماني واليساري، من انزلاق البلاد نحو الديكتاتورية.

لقد تعرّضت مصداقية الجيش والاستخبارات الإسرائيليان، اللذان كانا يتمتعان باحترام واسع النطاق، لضربة موجعة بعد فشلهما في منع هجمات السابع من أكتوبر. أما المعارضة السياسية، التي أضعفها هذا الفشل، فتفتقر إلى قائد واضح أو رؤية موحدة لإسرائيل ما بعد الحرب، مما ترك البلاد في حالة من عدم اليقين.

ورغم هذه التحديات، فإن شريحة متنامية من المجتمع الإسرائيلي ملتزمة بمقاومة رؤية نتنياهو. وقد عاد المتظاهرون إلى الشوارع، مطالبين بإعادة الرهائن والحفاظ على القيم الديمقراطية لإسرائيل. ومع ذلك، مع صعود ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف إلى السلطة وسعيه الدؤوب للهيمنة السياسية، تواجه المعارضة معركة شاقة.

زر الذهاب إلى الأعلى