حزب أمريكا الجديد.. هل تكفي مليارات ماسك لتحطيم أسطورة الحمار والفيل في واشنطن؟

في خطوة وُصفت بالمغامرة السياسية الجريئة، أعلن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، مالك شركات تسلا وسبيس إكس، عن تأسيس حزب جديد تحت اسم “حزب أمريكا”، مؤكدًا أن الهدف هو تمثيل “80% من الناخبين في الوسط”، الذين لا يجدون أنفسهم منسجمين مع سياسات الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وبحسب تقارير فإن التحرك الجديد يفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية حول مدى قدرة ماسك، صاحب الثروة والنفوذ، على كسر احتكار “الحمار الديمقراطي” و”الفيل الجمهوري” للسياسة الأمريكية، في ظل نظام انتخابي صلب، وتجارب حزبية سابقة لم تحقق أي اختراق فعلي.

نظام انتخابي يضيق على الطامحين

النظام الانتخابي في الولايات المتحدة معروف بتعقيداته أمام محاولات إنشاء أحزاب ثالثة. يعتمد النظام على قاعدة “الفائز يحصد كل شيء”، وهو ما يصعب من حصول الأحزاب الصغيرة على تمثيل حقيقي، حتى لو حصدت نسبة كبيرة من الأصوات.

ويُحذر خبراء السياسة من أن الحزب الجديد لماسك سيصطدم بعقبات قانونية وإدارية ضخمة، أبرزها ضرورة جمع توقيعات واسعة من الناخبين في كل ولاية، واستيفاء شروط قاسية للظهور على بطاقات الاقتراع، خاصة في الانتخابات الفيدرالية.

 لا مكان للأحزاب الثالثة

التجربة الأمريكية مع الأحزاب الثالثة تشير إلى محدودية فرصها. فلم ينجح أي مرشح من خارج الحزبين الرئيسيين في الفوز بأصوات المجمع الانتخابي منذ عام 1968، عندما حصل جورج والاس على دعم محلي في الجنوب.

وفي عام 1992، رغم حصول الملياردير روس بيرو على نحو 19% من الأصوات الشعبية، لم يتمكن من تحقيق أي فوز في المجمع الانتخابي، ما يكشف هشاشة تأثير الأحزاب الثالثة في النظام الأمريكي.

هل يتحول ماسك إلى “مُربك انتخابي”؟

يرى محللون أن دخول حزب ماسك الجديد إلى الساحة السياسية قد لا يُفضي إلى فوز مباشر، لكن من المحتمل أن يتحول إلى عامل حاسم في تغيير نتائج بعض الدوائر، خاصة في الولايات المتأرجحة، عبر سحب أصوات من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي.

ويُستشهد هنا بتجربة رالف نادر في انتخابات عام 2000، حيث يُعتقد أن ترشحه ساهم في خسارة آل غور لولاية فلوريدا، ما رجّح كفة جورج بوش الابن في سباق الرئاسة.

خطة تكتيكية لاختراق الحلبة السياسية

بحسب تصريحات ماسك، فإن حزبه لن يدخل الانتخابات بشكل شامل، بل سيتبع استراتيجية تُركّز على عدد محدود من السباقات في المناطق التي تُعتبر حاسمة. واصفًا ذلك بـ”القوة المركزة في نقاط التماس”.

إلا أن هذه الخطة تواجه انتقادات من محللين يرون أن معارضة الإنفاق الحكومي – وهي منطلق ماسك السياسي – لا تكفي لبناء حزب راسخ، خاصة وأن شركات ماسك نفسها تستفيد من عقود حكومية بمليارات الدولارات.

تناقض الرسالة… بين رفض الإنفاق والاستفادة منه

من أبرز التحديات التي تواجه ماسك هي الاتهامات بالتناقض. فالرجل الذي يرفع شعار تقليص النفقات الحكومية، يدير شركات تعتمد على الدعم الفيدرالي والعقود الحكومية في مشروعات الفضاء والطاقة والسيارات الكهربائية.

ويرى مراقبون أن هذا التناقض قد يقوّض الخطاب السياسي لحزبه الجديد، خاصة لدى الناخبين المتشككين في الدوافع الحقيقية وراء المشروع السياسي.

معركة الحلفاء… أين يقف الجمهوريون من ماسك؟

علاقة ماسك بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت قوية في السابق، لكنها شهدت فتورًا مؤخرًا بسبب مواقف ماسك من السياسات المالية للإدارة الجمهورية. وأدى ذلك إلى تراجع تأثيره داخل أوساط الحزب الجمهوري، ودفع بعض حلفاء ترامب لتأسيس لجان عمل سياسي تستهدف تحجيم تأثير ماسك.

ورغم امتلاك ماسك ثروة هائلة، إلا أن بناء حزب سياسي يتطلب أكثر من المال، بل يحتاج إلى قاعدة من الناشطين والمناصرين والمتطوعين، وهو ما لا يتوفر حاليًا لحزب أميركا.

كتلة الوسط… هل هي موجودة حقًا؟

يعتمد ماسك في رهانه السياسي على فكرة وجود أغلبية صامتة من الناخبين في الوسط، لا ترى نفسها منتمية لأي من الحزبين. إلا أن باحثين يرون أن هذه الكتلة ليست متجانسة، وتفتقر إلى رؤية موحدة أو أهداف مشتركة، ما يُصعّب تحويلها إلى قاعدة انتخابية لحزب فعال.

كما إن تأسيس حزب سياسي مؤثر في الولايات المتحدة يتطلب سنوات من العمل المتواصل، وتحمل الخسائر، وبناء البنية التحتية للحملات والتمثيل المحلي. وهي عناصر تعتمد على الصبر والانضباط، بينما يُعرف ماسك بطبيعته المتقلبة، واندفاعه نحو نتائج سريعة في أغلب مشاريعه.

ويحذر خبراء من أن ماسك قد ينسحب مبكرًا إذا لم يحقق نتائج مرضية، كما فعل في تجارب سابقة دعم فيها مرشحين دون تحقيق انتصارات ملموسة رغم إنفاقه السخي.

المال لا يصنع حزبًا

وفق مراقبون فرغم أن ماسك يمتلك من الأموال ما لا يمتلكه خصومه، إلا أن المال وحده لا يكفي لصناعة حزب قادر على تغيير قواعد اللعبة. فالحزب القوي يحتاج إلى كوادر، ورسالة سياسية واضحة، وشبكة دعم شعبي، وانتشار إعلامي مستدام.

كما أن اختيار المرشحين يمثل تحديًا حقيقيًا، إذ من المرجح أن يتدفق العشرات نحو حزب ماسك طمعًا في التمويل، وهو ما قد يُنتج مرشحين ضعفاء أو مثيرين للجدل، ويضر بصورة الحزب في بداياته.

هل يتحطم احتكار الحزبين أم يتبخر حلم ماسك؟

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الطريق أمام “حزب أميركا” لن يكون مفروشًا بالدولارات فقط. فالتاريخ، والنظام الانتخابي، والمشهد السياسي المنقسم، وطبيعة مؤسس الحزب نفسه، كلها عوامل تُشكك في إمكانية نجاح المشروع.

ويبقى السؤال: هل تتحول مليارات ماسك إلى زلزال سياسي يُحطّم أسطورة الحمار والفيل؟ أم أن حزب “أميركا” سيُضاف إلى لائحة المشاريع الطموحة التي لم تُعمّر طويلًا؟

اقرأ أيضًا: انف.جار داخل حكومة إسرائيل.. هل تجهض صراعات حلفاء نتنياهو هدنة غزة؟

زر الذهاب إلى الأعلى