قنبلة موقوتة منسية في قلب نهر التايمز.. حطام يوم القيامة يهدد بكارثة كبرى تغرق مدن بريطانية

وسط التهديدات البيئية والملاحية الكثيرة التي تواجهها المملكة المتحدة، يبرز حطام السفينة إس إس ريتشارد مونتجمري بوصفه أحد أخطر التهديدات الصامتة التي تطفو على سطح التاريخ البريطاني.
ووفقا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، دق تقرير بحري جديد صادر عن وزارة النقل البريطانية ناقوس الخطر مجددا بشأن التدهور الهيكلي المتسارع لهذا الحطام الغارق منذ الحرب العالمية الثانية، والمحمل بنحو 1400 طن من المتفجرات.
وتصف بعض التقارير الحطام بـ”برميل البارود الغارق”، بينما يطلق عليه البعض الآخر “حطام يوم القيامة”، وهو تعبير لم يعد مبالغا فيه بحسب آخر المسوحات الميدانية.
سفينة أشباح محملة بالدمار
وفي أغسطس 1944، أثناء سعيها لإيصال شحنة ضخمة من الذخائر والمتفجرات لقوات الحلفاء، غرقت السفينة الأمريكية “إس إس ريتشارد مونتجمري” قبالة ساحل شيرنيس في كينت، بعدما جنحت على ضفة رملية وانقسمت إلى نصفين، ومنذ ذلك الحين، ترقد على عمق لا يتجاوز 49 قدما، بينما لا تزال صواري السفينة تخرج من سطح المياه لتشير إلى ما يخفيه العمق من تهديد.


حطام يوم القيامة
ورغم مرور أكثر من ثمانية عقود، ما تزال الذخائر الخطيرة التي تحتويها السفينة، لتتحول إلى قنبلة موقوتة في أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في المملكة المتحدة. وتخشى السلطات من أن يؤدي أي انهيار إلى زعزعة استقرار الهيكل بشكل أكبر.

نتائج المسح الأخيرة: قنبلة موقوتة
كشف مسح بحري جديد أشرفت عليه وزارة النقل البريطانية عن تدهورا كبيرا وتغيرات مثيرة للقلق في هيكل الحطام، خاصة في الأجزاء الأمامية والخلفية.
وأظهر التقرير أن النصف الأمامي من السفينة انحرف نصف متر شرقا خلال عامين فقط، بينما رصدت تشققات واضحة في الجانب العلوي الأيسر وانبعاجات خطيرة في الجانب السفلي الأيمن في عنبر الشحن الثاني، ما أدى إلى انهيار جزئي في السطح العلوي.
ووفقًا للتقرير، فإن “الجزء الأمامي من الحطام ينقسم إلى قسمين”، في حين يعاني الجزء الخلفي من “ضغط بنيوي قد يؤدي إلى انقسامه هو الآخر”، الأخطر من ذلك أن الفراغ بين النصفين، الموجود منذ غرق السفينة، قد تعرض لتآكل شديد نتيجة التيارات البحرية والأمواج، مما يزيد من احتمالات الانهيار الكامل.
وبحسب الخبراء، فإن قاع البحر حول الحطام يعاني من تآكل سريع، مع تسجيل انخفاض في الرواسب بلغ 1.6 متر خلال عام واحد، مما يوحي بأن الحطام بدأ يتحرك بفعل غياب الدعم الأرضي الكافي.
سيناريو الانفجار: “الأسوأ لم يأت بعد”
وتنبه دراسة أجرتها الكلية العسكرية الملكية للعلوم عام 1970 إلى كارثة محتملة إذا ما انفجرت الذخائر دفعة واحدة، حيث يتوقع ارتفاع عمود ماء وحطام بعلو 3,000 متر، يرافقه تسونامي بارتفاع خمسة أمتار قد يدمر مدينة شيرنيس القريبة بالكامل ويصل إلى ساوثيند الواقعة على بعد خمسة أميال فقط شمالا.
استجابة رسمية وتحركات احترازية
في ظل خطورة الأوضاع، فرضت وزارة النقل البريطانية منطقة حظر جوي مؤقتة فوق موقع الحطام، ومنعت جميع الطائرات المدنية وغير الطارئة من التحليق فوق المنطقة، ووصفت السلطات هذا القرار بأنه “إجراء احترازي”، إلا أنه سيبقى ساريا حتى إشعار آخر.
وفي بيان رسمي، أكد متحدث باسم وزارة النقل أن “الأولوية القصوى تبقى سلامة المواطنين”، مضيفا أن الخبراء “يواصلون مراقبة الحطام عن كثب وقد حدثوا توجيهاتهم لخفض المخاطر، من بينها فرض منطقة الحظر الجوي”.
القلق المحلي يتصاعد
ورغم التصريحات الرسمية، تسود حالة من القلق في بعض المجتمعات المحلية، خاصة في ساوثيند. فقد دعا رئيس مجلس ساوثيند، دانيال كوان، إلى مزيد من الشفافية قائلاً: “وفقًا للخبراء، لا يزال الحطام مستقرا. أفهم أن منطقة حظر الطيران إجراء احترازي. لكن ما نحتاجه حقا هو خطة واضحة طويلة الأجل بشأن ما سيتم فعله بهذا الحطام”.
وتُعبر هذه الدعوة عن شعور عام بين السكان المحليين، الذين يخشون من أن تتسبب عوامل التعرية البحرية أو الإهمال المستمر في كارثة بيئية وبشرية غير مسبوقة.
اقرأ أيضا.. 17 مليون شخص في دائرة الخطر.. بداية مقلقة لـ موسم أعاصير 2025
المعضلة مستمرة: بين الخطر والإحجام
وبين المطالبة بإزالة السفينة والمخاوف من التسبب بانفجار أثناء تلك العملية، تبقى قضية السفينة إس إس ريتشارد مونتجمري واحدة من أكثر القضايا تعقيدا في السلامة البحرية البريطانية. فالإقدام على تفكيك الحطام أو استخراج الذخائر قد يؤدي إلى إشعال الكارثة التي يخشى الجميع وقوعها.
وفي الوقت الحالي، تكتفي الحكومة بالمراقبة المستمرة وفرض القيود الوقائية، لكن الزمن والطبيعة لا ينتظران، وقد تُرغم الجميع على اتخاذ قرار مصيري عاجلا أم آجلا.