حملة قمعية غريبة للسلطة الفلسطينية في مخيم جنين.. ما القصة؟

القاهرة (خاص عن مصر)- تجد جنين، المدينة التي ارتبط اسمها بعقود من الصراع في شمال الضفة الغربية، نفسها الآن في خضم الحملة القمعية التي تشنها السلطة الفلسطينية.
ففي الأسابيع الأخيرة، حلت المركبات السوداء التابعة للسلطة الفلسطينية محل الوجود المألوف لقوات الدفاع الإسرائيلية، حيث تنفذ قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية حملة قمع شاملة على الفصائل المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى.
وفقا لتقرير تليجراف، تمثل هذه العملية، التي أطلق عليها اسم “حماية الوطن”، خطوة مهمة من جانب السلطة الفلسطينية لتأكيد سيطرتها على المنطقة.
لقد أثار توقيت الحملة الدهشة، حيث أشار باسم نعيم، أحد كبار مسؤولي حماس، إلى أن السلطة الفلسطينية تحاول الإشارة إلى قدرتها على “مواجهة شعبها” كجزء من استراتيجية سياسية أوسع نطاقاً، من المرجح أن تهدف إلى جذب الولايات المتحدة.
تصاعد التوترات والإصابات المدنية
لم تخلو جهود السلطة الفلسطينية من الجدل. وقد أدت الاشتباكات بين قواتها ولواء جنين إلى إغلاق المدارس وتعطيل الخدمات الحيوية، بما في ذلك مركز صحي تديره الأونروا. ومن المؤسف أن هذه المواجهات أودت بحياة ما لا يقل عن اثني عشر شخصاً، بما في ذلك شذى الصباغ، وهي صحافية تبلغ من العمر 21 عاماً، والتي أصبحت وفاتها نقطة اشتعال.
ولا تزال ظروف مقتلها مثيرة للجدال. ففي حين تلوم أسرتها وحماس قناصة السلطة الفلسطينية، وصفت السلطة الفلسطينية الحادث بأنه نتيجة “إطلاق نار عشوائي” من قبل “أفراد خارجين عن القانون”. إن وفاة محمود الحاج الجلقموسي وابنه قاسم البالغ من العمر 14 عاماً، اللذين وقعا في مرمى النيران أثناء وجودهما على سطح منزلهما، توضح بشكل أكبر الخسائر التي تكبدتها حملة القمع ضد المدنيين.
اقرأ أيضًا: جنوب كاليفورنيا يواجه تهديدًا خطيرًا بحرائق الغابات الكارثية في لوس أنجلوس
التنافسات العميقة الجذور والجمود السياسي
إن التوترات بين حماس وفتح، الفصيلين المهيمنين في السياسة الفلسطينية، لها جذورها في الانتخابات البرلمانية لعام 2006، حيث أدى فوز حماس إلى مواجهات عنيفة واستيلائها في النهاية على غزة في عام 2007. وعلى الرغم من محاولات المصالحة العديدة، لا تزال الوحدة بين الفصيلين بعيدة المنال.
وفقًا ليوحنان تزوريف، المستشار العربي السابق في غزة، فإن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، ينظر إلى حماس على أنها ضعيفة ويرى اللحظة الحالية كفرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني. ومع ذلك، فإن إحجام عباس عن الموافقة على اتفاق القاهرة في ديسمبر 2024 بشأن لجنة حكم مشتركة لغزة بعد الحرب يؤكد على انعدام الثقة العميق بين الفصائل.
الشكوك والنقد
يزعم منتقدو تصرفات السلطة الفلسطينية، بما في ذلك حماس ونشطاء حقوق الإنسان مثل باسم عيد، أن الحملة القمعية من غير المرجح أن تسفر عن الوحدة فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى تآكل مصداقية السلطة الفلسطينية.
لقد اتهمت حماس السلطة الفلسطينية بالعمل كـ “عميل لإسرائيل”، وهو الشعور الذي يشترك فيه العديد من الفلسطينيين. ورفض عيد احتمالات المصالحة، مستشهداً بتاريخ طويل من المفاوضات الفاشلة بين الفصائل.
وعلى الرغم من ترحيب المسؤولين الإسرائيليين بقمع الجماعات الإرهابية، إلا أنهم شككوا في توقيت إجراءات السلطة الفلسطينية. وأشار أحد المسؤولين إلى أن الحملة القمعية ربما تكون مدفوعة بحسابات سياسية مرتبطة بالإدارة الأميركية الجديدة أكثر من المخاوف الأمنية الحقيقية.
مستقبل الضفة الغربية
على الرغم من الانتقادات، يعتقد بعض المراقبين أن السلطة الفلسطينية قد تستعيد السيطرة على الضفة الغربية إذا استمرت في جهودها الحالية. وسلط تزوريف الضوء على تصميم قوات السلطة الفلسطينية على متابعة العملية حتى نهايتها.
ومع ذلك، فإن المقاومة المستمرة من جانب الفصائل المسلحة والقضايا الأساسية للاحتلال الإسرائيلي تشكل تحديات كبيرة لطموحات السلطة الفلسطينية.
ومع استمرار العملية في جنين، يظل مصير سلطة السلطة الفلسطينية – وقدرتها على توحيد المشهد السياسي المجزأ – غير مؤكد. وما إذا كانت هذه المقامرة ستؤدي إلى استقرار الضفة الغربية أو تعميق الانقسامات هو سؤال لن يجيب عليه إلا الزمن.