خطة التهجير الإسرائيلية لعزل الفلسطينيين تُهدد محادثات التهدئة في غزة

شكّلت خطة التهجير الإسرائيلية المثيرة للجدل، والرامية إلى تجميع معظم سكان غزة المدنيين قسراً في جيب مُدمّر جنوب القطاع، عقبة جديدة في طريق المفاوضات نحو هدنة في غزة، ما أثار تحذيرات لاذعة من خبراء قانونيين وإدانة من القادة الفلسطينيين.

اقتراح التهجير: التفاصيل والسياق

في الأسابيع الأخيرة، أطلع مسؤولون إسرائيليون الصحفيين ونظرائهم الدوليين سراً على الخطوط العريضة لخطة من شأنها دفع مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى منطقة خاضعة لسيطرة مُشددة قرب الحدود بين غزة ومصر.

ستمنع هذه المنطقة، التي تُشرف عليها القوات العسكرية الإسرائيلية، النازحين من غزة من العودة إلى ديارهم الأصلية في أماكن أخرى من القطاع – وهو قيد يُحذّر خبراء قانونيون من أنه قد يُشكّل تطهيراً عرقياً وانتهاكاً للقانون الدولي.

وفقًا لمصادر عسكرية إسرائيلية وصور أقمار صناعية اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز، فإن هذا الاقتراح، في حال تنفيذه بالكامل، سيُجبر حوالي مليوني فلسطيني على الانتقال إلى منطقة رفح، وهي منطقة مكتظة أصلًا ومتضررة بشدة في غزة.

في حين لم تُعلن الحكومة الإسرائيلية رسميًا عن الخطة، طرح وزير الدفاع إسرائيل كاتس الفكرة لأول مرة خلال إحاطة مغلقة مع المراسلين العسكريين الأسبوع الماضي. وقد أثارت التقارير اللاحقة جدلًا حادًا داخل المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني.

خبراء القانون الدولي ومخاوف حقوق الإنسان

دقّ خبراء قانونيون إسرائيليون بارزون ناقوس الخطر، واصفين الخطة بأنها انتهاك محتمل للقانون الدولي. وفي رسالة مفتوحة إلى وزير الدفاع كاتس ورئيس الأركان الفريق إيال زامير، كتبوا: “ستُشكل الخطة سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفي ظل ظروف معينة، قد ترقى إلى جريمة إبادة جماعية”.

وقارن النقاد الإسرائيليون بين “المدينة الإنسانية” المقترحة ومعسكرات الاعتقال الحديثة، مشيرين إلى أن من يُجبرون على دخول المنطقة سيُمنعون من مغادرة ديارهم أو العودة إليها.

الرد الفلسطيني والدولي

سرعان ما أصبحت الخطة نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات بين إسرائيل وحماس. وقد استنكر المسؤول البارز في حماس، حسام بدران، هذه الخطوة ووصفها بأنها “مطلب مُعرقل متعمد” من شأنه أن يُعقّد بشدة محادثات التهدئة المتعثرة أصلًا. وصرح بدران: “ستكون هذه مدينة معزولة أشبه بالغيتو. هذا أمر مرفوض تمامًا، ولن يوافق عليه أي فلسطيني”.

ظهر الاقتراح في منعطف حرج، في الوقت الذي كانت فيه آمال التوصل إلى هدنة تتزايد عقب اجتماعات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن مع الرئيس ترامب. إلا أن نتنياهو عاد إلى إسرائيل دون تحقيق أي تقدم، وزادت خطة التهجير من تعقيد الوضع.

مفاوضات التهدئة: نقاط الخلاف لا تزال قائمة

لا تزال المفاوضات متعثرة بشأن قضايا رئيسية، بما في ذلك استمرار أي وقف لإطلاق النار. تُصر إسرائيل على الاحتفاظ بحق استئناف العمل العسكري، بينما تسعى حماس إلى ضمانات بأن أي هدنة ستؤدي إلى وقف كامل للأعمال العدائية. تستمر الخلافات أيضًا حول نزع سلاح حماس وإيصال المساعدات الإنسانية خلال أي هدنة.

ووفقًا لتقارير من إحاطة كاتس، فإن المخيم المقترح – المسمى “مدينة إنسانية” – سيؤوي في البداية 600 ألف فلسطيني، ليتوسع في النهاية ليضم جميع سكان غزة تقريبًا. وقد رفض المسؤولون العسكريون الإسرائيليون حتى الآن التعليق على ما إذا كانوا قد تلقوا توجيهات بتنفيذ الخطة.

اقرأ أيضًا: ارتفاع أسعار الفضة إلى أعلى مستوى لها في 14 عامًا

هل الخطة تكتيك تفاوضي؟

يتكهن بعض المراقبين بأن الخطة قد تكون حيلة تفاوضية أكثر منها سياسة ملموسة. وأشار إيتامار بن غفير، الوزير اليميني المتطرف والمؤيد الصريح لإخلاء غزة من سكانها، إلى أن اقتراح التهجير صُمم ليكون “خدعة” سياسية لإرضاء المتشددين خلال مفاوضات الهدنة. وقال بن غفير: “إن الجدل الدائر حول إنشاء مدينة إنسانية هو في الأساس خدعة تهدف إلى إخفاء الصفقة التي يجري تحضيرها”، رافضًا احتمالية تنفيذ الاقتراح.

مفترق طرق قانوني وأخلاقي

مع تصاعد الضغوط، أثارت خطة التهجير الإسرائيلية انتقادات لاذعة محليًا ودوليًا. ويحذر المدافعون عن حقوق الإنسان من أن أي تطبيق لها قد يكون له عواقب إنسانية وقانونية وخيمة، مما يُهدد مكانة إسرائيل الدولية ويُفاقم معاناة سكان غزة المدنيين المحاصرين أصلًا.

في الوقت الحالي، لا يزال مستقبل مفاوضات الهدنة – ومصير المدنيين في غزة – مُحاطًا بظلال من شبح التهجير القسري، حيث تُكافح جميع الأطراف للتعامل مع خطة يرى خبراء قانونيون أنها قد تُشكل أحد أخطر الانتهاكات للقانون الدولي في التاريخ الحديث.

زر الذهاب إلى الأعلى