خطوة نادرة بعد سكون طويل.. متاجر “ترولي” تعيد الروح إلى بورصة الكويت

في واحدة من أندر التحركات في سوق الاكتتابات العامة الكويتي، الذي يُعد من أكثر أسواق الخليج هدوءا، تستعد سلسلة متاجر “ترولي” لتنفيذ طرح عام أولي خلال عام 2025، بحسب مصادر مطلعة.
وتعمل الشركة حاليا مع المستشارين الماليين للمجموعة المالية هيرميس وشركة الاستثمارات الوطنية (NIC)، بينما لا تزال التفاصيل النهائية للطرح، مثل الحجم والتوقيت، قيد الدراسة.
نقلة نوعية في مشهد السوق الكويتي
وتحمل هذه الخطوة، التي يُتوقع أن تشكل محطة فارقة في السوق المالية الكويتية، دلالات استراتيجية، ليس فقط على مستوى الشركة، بل أيضاً على مستوى السوق المالية الكويتية، التي تشهد انتعاشا غير مسبوق بالتوازي مع إصلاحات اقتصادية وسياسية جوهرية، بحسب وكالة “بلومبرج للأنباء”.
سياق السوق.. الكويت تتفوق على نظيراتها رغم الهدوء النسبي
وتشهد بورصة الكويت أداءً مميزا هذا العام، حيث ارتفع مؤشرها الرئيسي بنسبة تجاوزت 14%، متفوقًا على أسواق إقليمية نشطة مثل سوق دبي الذي سجل نمواً بنسبة 8.9%. وقد تعافى السوق سريعا من التقلبات التي سببتها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، مما يعكس ثقة المستثمرين واستقرار الأفق الاقتصادي.
ورغم هذا الأداء اللافت، ما تزال الكويت متحفظة على صعيد الاكتتابات العامة. منذ عام 2022، لم تُسجل البلاد سوى طرحين فقط: مجموعة بيوت الاستثمارية القابضة بقيمة 146 مليون دولار في 2024، وشركة أبناء علي الغانم للسيارات التي جمعت 322 مليون دولار في 2022. لذا يبدو طرح “ترولي” بمثابة استثناء إيجابي يمكن أن يكسر نمط الركود.
من هي “ترولي”؟
وقد تأسست “ترولي” في عام 2010، وتمكنت من التوسع إلى 170 متجرا صغيرا موزعة في مختلف مناطق الكويت. وبفضل هذا الانتشار، رسخت مكانتها كلاعب رئيسي في قطاع التجزئة المحلي.
ويعكس الطموح إلى دخول السوق العامة رؤية الشركة لمستقبل توسعي يعتمد على موارد مالية متنوعة، ويعزز من قدرتها التنافسية في سوق تتغير معالمه بسرعة.
ورغم أن الشركة ومستشاريها امتنعوا عن الإدلاء بتصريحات رسمية، فإن التوجه نحو الاكتتاب يتماشى مع السياق الاقتصادي العام في الكويت، حيث تتجه البلاد إلى فتح آفاق جديدة أمام القطاع الخاص ضمن خطط إصلاح أوسع.
إصلاحات سياسية واقتصادية.. كسر الجمود وإطلاق الطاقات
وقد شهدت الكويت تطورات سياسية واقتصادية حاسمة ساهمت في تهيئة البيئة لهذا النوع من الطروحات. فقد لاقت قرارات أمير البلاد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ومنها تعليق أعمال مجلس الأمة في 2023، ترحيباً واسعاً من الأوساط الاقتصادية، لكونها كسرت حالة الجمود التي كانت تعيق العديد من الإصلاحات الجوهرية.
وكان أبرز ما تم إنجازه في هذا السياق إقرار قانون جديد للدين العام في مارس 2025، ما أعاد فتح أبواب أسواق السندات العالمية أمام الكويت للمرة الأولى منذ عام 2017. وتُخطط الحكومة حاليا لاقتراض ما يصل إلى 6 مليارات دولار من الأسواق الدولية، مما يعزز تنوع مصادر التمويل ويفتح فرصاً أكبر للقطاع الخاص.
نقطة تحوّل
ولطالما مثّل النظام السياسي في الكويت – الذي يجمع بين برلمان منتخب وحكومة تعينها الأسرة الحاكمة – عاملا معقّدا في مسار التشريعات، ما أدى إلى تعطيل قوانين اقتصادية مهمة وتأخير مشروعات إصلاحية.
لكن الإصلاحات الأخيرة، مع التوجه لطرح شركات خاصة مثل “ترولي”، ترسل إشارات قوية بأن الكويت بصدد تجاوز هذه العقبات وتبني نموذج اقتصادي أكثر مرونة وجاذبية للمستثمرين.
اقرأ أيضا.. مخاوف وقلق في قبرص مع تسارع شراء الإسرائيليين للعقارات.. هل تتحول الجزيرة إلى “وطن بديل”؟
يرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل أكثر من مجرد طرح أسهم، بل قد تُعد مقدمة لديناميكية جديدة في السوق الكويتي، تؤكد استعداد الدولة لتحديث بنيتها الاقتصادية.
وإذا اكتمل الطرح العام لشركة “ترولي”، فسيكون بمثابة شهادة حية على دخول الكويت مرحلة جديدة من الانفتاح المالي، بآليات مدروسة وخطوات حذرة لكنها طموحة. وقد يمهد هذا الطرح الطريق أمام شركات كويتية أخرى لاتباع نفس النهج، ويُعيد تموضع الكويت كوجهة واعدة في الأسواق المالية الإقليمية.