خلافًا للتوقعات الغربية.. ارتفاع الدخل والتفاؤل الاقتصادي في روسيا رغم تداعيات الحرب

في حين توقَّع القادة والمحللون الغربيون مرارًا أن تُدمِّر حرب أوكرانيا الاقتصاد الروسي، إلا أنَّ الواقع على الأرض يُشير إلى قصة أكثر تعقيدًا، بل ومتناقضة في بعض النواحي.
فعلى الرغم من الخسائر العسكرية الكبيرة، والعقوبات المُتصاعدة، والاضطرابات المُتكرِّرة في الحياة اليومية، يشهد العديد من الروس ارتفاعًا في الدخل، وانخفاضًا في التفاوت، بل وحتى تفاؤلًا اقتصاديًا جديدًا.
وفقًا لتقرير صنداي تايمز، لم تُزعزع الحرب استقرار المجتمع الروسي، بل ساعدت – على الأقل في الوقت الحالي – الكرملين على تحقيق مستويات من التماسك الاجتماعي وإعادة التوزيع التي كافح لتحقيقها في زمن السلم.
حرب أوكرانيا الاقتصاد الروسي: أموال النعوش والتوابيت
غيَّر الصراع الأوكراني ديناميكيات المجتمع الروسي واقتصاده بشكل جذري، لا سيما في المناطق الأكثر فقرًا. بدلًا من الاعتماد على التجنيد الإجباري غير المرغوب فيه، تحوّل الرئيس فلاديمير بوتين إلى نموذج يُجنّد جنودًا متطوعين برواتب مغرية ومكافآت كبيرة.
يحصل المتطوعون على مكافآت توقيع تصل إلى 1.5 مليون روبل (حوالي 14 ألف جنيه إسترليني)، ورواتب شهرية تزيد عن ضعف المتوسط الوطني.
بالنسبة للكثيرين في المُقاطعات الروسية المهمَّشة – مثل توفا وبورياتيا وداغستان – أصبحت الحرب فرصة مربحة، وإن كانت محفوفة بالمخاطر.
وقد ضخَّ ما يُسمى بـ”أموال النعش” – وهي تعويضات تُدفع لعائلات الجنود الذين سقطوا في المعارك – مبالغ غير مسبوقة في هذه المناطق، مما عزز الودائع المصرفية المحلية بنسبة تصل إلى 151% في توفا، وحفّز ازدهارًا في قطاع البناء المحلي.
حتى في المناطق الأقل تضررًا من ضحايا الحرب، يُسهم ارتفاع الأجور وضيق سوق العمل في نمو الدخل الحقيقي. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، ارتفع التفاؤل الروسي بشأن الوضع المالي الشخصي بشكل كبير منذ بداية الصراع، مما عكس سنوات من التشاؤم الاقتصادي.
ازدهار الصناعة المحلية مع خروج العلامات التجارية الغربية
على نحو متناقض، غذّت العقوبات الدولية ورحيل الشركات الغربية انتعاشًا في الصناعات المحلية الروسية. فقد استُبدلت علامات تجارية أجنبية معروفة مثل ماكدونالدز وليغو ببدائل محلية، مثل “فكوسنا إي توشكا” (سلسلة مطاعم للوجبات السريعة) و”مير كوبيكوف” (مكعبات ألعاب).
رغم أن أنظمة الدفع الدولية مثل Apple Pay قد تكون مقيدة، إلا أنه لا يزال بإمكان الروس شراء أحدث التقنيات – غالبًا من خلال واردات خارجية أو علامات تجارية صينية.
وقد خففت هذه التعديلات من أثر العزلة الاقتصادية. فالمصانع – وخاصة تلك المرتبطة بقطاع الدفاع – تعمل على مدار الساعة، وعلى الرغم من معدلات التضخم التي تتراوح بين 7.1 و7.6%، فقد حافظت الرواتب المرتفعة على القدرة الشرائية لمعظم الروس أو حسّنتها.
المشاعر العامة: بين الروايات الرسمية والواقع الخاص
في بيئة استبدادية حيث يمكن أن تكون المعارضة العامة خطرة، تظل استطلاعات الرأي أداة حيوية للكرملين. تُبذل جهودٌ حكوميةٌ مُعقدةٌ لرصد المزاج العام، حيث أنشأ رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين “مركز تنسيق حكومي” قائمًا على البيانات، حتى أن جهاز الأمن الشخصي لبوتين يستخدم الذكاء الاصطناعي لتتبع المشاعر على الإنترنت.
على الرغم من العقوبات القاسية المفروضة على انتقاد الحرب، لا يبدو أن العديد من الروس – علنًا وسرا – يتوقون إلى رؤية نهايةٍ للصراع مهما كان الثمن. فبينما يقول 61% إنهم يريدون مفاوضات سلام، لا يزال معظمهم يتوقعون حلًا يبدو أنه في صالح روسيا. ويُشكل وعي الحكومة بهذه المواقف الدقيقة استراتيجياتها العسكرية والاقتصادية.
اقرأ أيضًا: معركة ما بعد البنادق.. معاهدة مياه نهر السند الهشة تشعل الصراع بين الهند وباكستان
قيود الكرملين: صبر الشعب وحدوده الاقتصادية
تتأثر قرارات الرئيس بوتين بشكل متزايد بضرورة تجنب المزيد من التعبئة أو المعاناة الاقتصادية العلنية للشعب. وحتى مع دعوة الجنرالات إلى توسيع نطاق التجنيد الإجباري، لا يزال بوتين حذرًا، مُستذكرًا ردود الفعل السياسية السلبية التي أثارتها مثل هذه الخطوات في صراعاتٍ سابقة.
أجبر هذا الحكومة على دعم الرهن العقاري والحفاظ على المزايا الاجتماعية بتكلفة باهظة – جهود تجاوزت أحيانًا تكاليف إدارات حكومية بأكملها.
لم يخلو التحفيز الاقتصادي للحرب من ضغوط: فارتفاع أسعار الفائدة (21%) يُعيق الاستثمار التجاري، ومن المتوقع الآن أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي كان يُعزّز بشكل مصطنع من خلال الإنفاق الحربي.
يحذر الخبراء من أنه على الرغم من أن الاقتصاد الروسي أظهر مرونة ملحوظة – مدعومة باحتياطيات ما قبل الحرب واستمرار الإنفاق الدفاعي – إلا أن هذه الضغوط لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى. يواجه الكرملين معضلة متنامية: موازنة متطلبات حرب مكلفة مع خطر تراجع التسامح الشعبي.