داخل آلة صنع المال لدى الحوثيين.. أزمة البحر الأحمر وتعطيل حركة الشحن
القاهرة (خاص عن مصر)- لقد أثبت الحوثيون، الجماعة اليمنية، أنهم قوة مفاجئة في الشحن العالمي، حيث فرضوا سيطرتهم على نقطة اختناق حاسمة للتجارة العالمية: مضيق باب المندب.
هذا الموقع الاستراتيجي، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، حيوي لحركة المرور البحرية، حيث يمر عبره أكثر من 12% من تجارة العالم، بما في ذلك شحنات النفط والحاويات.
ووفقا لتحليل الأيكونوميست، أدت تكتيكاتهم العدوانية وشبكة العمليات المعقدة إلى تعطيل الشحن الدولي وتسببت في تداعيات اقتصادية كبيرة. وبينما توفر وقف إطلاق النار في غزة هدوءًا مؤقتًا، فإن نفوذ الحوثيين على حركة المرور في البحر الأحمر لا يُظهر أي علامات على التلاشي.
الحوثيون: قوة بحرية جديدة
لم يكتف الحوثيون بعسكرة الساحل الغربي لليمن فحسب، بل وضعوا أنفسهم أيضًا كحراس لبوابة أحد أكثر الطرق البحرية ازدحامًا في العالم. وكما يصف ستيفن أسكينز، محامي الشحن، فإن التفاعل مع الحوثيين “سهل الاستخدام” بشكل غير متوقع.
على الرغم من دورهم في تعطيل التجارة العالمية، فإن الميليشيات محترمة في اتصالاتها، مما يخلق مفارقة غريبة لأولئك الذين يبحرون في البحر الأحمر.
ومع ذلك، فإن تصرفات الحوثيين بعيدة كل البعد عن كونها حميدة. ففي عام 2024 وحده، استهدفوا ما يقرب من 200 سفينة، واختطفوا السفن وأطلقوا ضربات صاروخية. وفي نوفمبر 2023، استولوا على السفينة جالكسي ليدر، وهي سفينة تحمل علم جزر البهاما، متهمين إياها بالارتباط بملياردير إسرائيلي.
قد أثرت هذه الهجمات، التي استمرت حتى عام 2025، بشكل كبير على طرق الشحن، حيث انخفضت أحجام الشحن عبر باب المندب بنسبة الثلثين.
التداعيات الاقتصادية والتأثير العالمي
تمتد الاضطرابات التي تسبب فيها الحوثيون إلى ما هو أبعد من التوترات الإقليمية. فقد ارتفعت تكاليف الشحن العالمية، واضطرت سلاسل التوريد إلى التكيف. على سبيل المثال، تواجه السفن الآن طرقًا أطول بكثير لتجنب البحر الأحمر، مما يضيف ما يصل إلى 3500 ميل بحري لكل رحلة ويكلف الشركات مليون دولار إضافي لكل رحلة.
نتيجة لهذا، ارتفع سعر شحن حاوية من شنغهاي إلى روتردام إلى 8200 دولار في منتصف عام 2024، بزيادة خمسة أضعاف عن العام السابق. وفي المجموع، أضافت هجمات الحوثيين ما يقرب من 175 مليار دولار إلى تكاليف الشحن في عام 2024، ويشير الخبراء إلى أن الخسائر الاقتصادية الإجمالية قد تكون أعلى من ذلك عند احتساب تكاليف النفط والشحن بالجملة.
في حين أعلنت شركات الشحن العالمية العملاقة مثل ميرسك عن زيادة الأرباح من ارتفاع أسعار الشحن، كانت التكاليف للشركات الأصغر والاقتصادات الإقليمية باهظة. شهدت مصر، التي تعتمد بشكل كبير على الإيرادات من قناة السويس، انخفاضًا في الدخل بلغ 7 مليارات دولار، مما أدى إلى تفاقم صعوباتها الاقتصادية.
لتفاقم المشكلة، أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها مليارات الدولارات في دوريات البحر الأحمر لحماية ممرات الشحن، لكن الحوثيين يظلون قوة هائلة في هذه المنطقة الحرجة.
اقرأ أيضًا: خلال إعادة الإعمار.. أمريكا تخطط لنقل جزء من أهالي قطاع غزة إلى إندونيسيا
ميليشيا متطورة ذات طموحات طويلة الأجل
كانت القدرات العسكرية للحوثيين، المدعومة بالأسلحة الإيرانية والاستخبارات الروسية، بمثابة عامل تغيير في البحر الأحمر. وقد أفاد خبراء، بما في ذلك مسؤولون عسكريون وممثلون عن الشحن، بأن الجماعة أصبحت أكثر تطوراً في عملياتها، مع تقنيات أسلحة جديدة وشبكة راسخة لفرض سيطرتها. وتتحرك أفعالهم بأكثر من مجرد صراعات على السلطة المحلية – فهم يلعبون لعبة طويلة، ويتلاعبون بتدفقات التجارة العالمية لصالحهم.
لقد أثبت الحوثيون قدرتهم على استخراج “إيجارات” كبيرة من الشحن الدولي، بما في ذلك تقارير عن وكالات تنسق مع الجماعة لشراء ممر آمن. تشير بعض التقديرات إلى أن هذه الحماية قد تصل قيمتها إلى 2.1 مليار دولار سنويًا. وعلى الرغم من مزاعم أن الحوثيين لا يتقاضون “رسومًا غير قانونية”، إلا أن هناك أدلة متزايدة على أن سيطرتهم على حركة المرور البحرية خلقت نموذج عمل مزدهر يمنحهم نفوذًا كبيرًا في المنطقة.
وقف إطلاق النار: استراحة مؤقتة أم استراتيجية طويلة الأجل؟
في 15 يناير 2025، أعلن الحوثيون وقفًا مؤقتًا لهجماتهم بعد وقف إطلاق النار في غزة. ومع ذلك، لا يزال العديد من المراقبين متشككين في أن الميليشيا ستتخلى عن أنشطتها المربحة في البحر الأحمر.
لقد أثبتت قدرة الحوثيين على تعطيل الشحن الدولي أنها أصل قيم في مفاوضاتهم. وحتى مع تقدم محادثات السلام مع المملكة العربية السعودية، تظل سيطرة الحوثيين على البحر الأحمر ورقة مساومة من غير المرجح أن يتخلوا عنها بسهولة.
يحذر تيم ليندركينج، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، من أن استخدام الحوثيين لهذا التكتيك يهدد مبدأ حرية الملاحة في أعالي البحار. وقد أعربت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن مخاوفهم بشأن السماح للجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الحوثيين بإملاء الشروط في مثل هذه المنطقة الحرجة.
لعبة شطرنج جيوسياسية
لقد أدى نفوذ الحوثيين على مضيق باب المندب أيضًا إلى خلق تحكيم جيوسياسي. تمكنت السفن الصينية، التي تربطها علاقات قوية بإيران، الحليف الرئيسي للحوثيين، من تجنب أقساط التأمين المرتفعة التي تواجهها السفن الغربية. وفي حين تواجه الشركات الأمريكية والأوروبية تكاليف تصل إلى 2٪ من قيمة السفينة، فإن الشركات الصينية تدفع ما لا يقل عن 0.35٪، مستفيدة من ملف المخاطر الأقل لديها في المنطقة.
في الوقت نفسه، لم تفعل العقوبات الأميركية على الشركات الصينية التي تقدم التكنولوجيا والدعم المالي للحوثيين الكثير لوقف تدفق الموارد إلى الميليشيا. وهذا يؤكد تعقيد الموقف، حيث تتقاطع السياسة الدولية والحوافز الاقتصادية. لقد أعادت تصرفات الحوثيين تشكيل طرق الشحن العالمية وخلق قنوات جديدة للنفوذ، حيث تتبنى دول مثل الصين نهجا براجماتيا لحماية مصالحها مع ترك الغرب للتعامل مع التداعيات.
هل يستمر الحوثيون في السيطرة على البحر الأحمر؟
على الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها لحماية الشحن العالمي، يبدو من المرجح أن يستمر الحوثيون في فرض سيطرتهم على البحر الأحمر في المستقبل المنظور. يقدم “مركز تنسيق العمليات الإنسانية” المبتكر “خدمة عبور آمنة” للسفن؛ مما يعزز دورهم كحراس لباب المندب.
لكن السؤال يبقى مطروحا: هل يقبل المجتمع الدولي هذا الوضع الراهن الجديد، أم سيتخذ المزيد من الإجراءات لاستعادة حرية الملاحة في واحدة من أهم نقاط الاختناق البحرية في العالم؟